دعوة الرئيس بري في هذا المجال تأتي في مكانها الصحيح فيما لو حصلت ضمن الضوابط القانونية والرسمية
 

كلّف رئيس مجلس النواب نبيه بري اليوم الخميس لجنة اختصاصيين لاعداد صيغة لاقتراح القانون المتعلق بزراعة الحشيشة، وكان بري قد أبلغ يوم أمس السفيرة الاميركية اليزابيت ريتشارد أن المجلس النيابي في صدد التحضير لدرس النصوص اللازمة لتشريع زراعة الحشيشة وإقرارها، وذكرت معلومات صحافية أن الرئيس بري كلّف لجنة اختصاصيين لاعداد صيغة لاقتراح القانون المتعلق بزراعة الحشيشة، وأبلغ بري السفيرة الأميركية في بيروت اليزابيت ريتشارد التي استقبلها في عين التينة، ان المجلس النيابي في صدد التحضير لدرس وإقرار التشريعات اللازمة لتشريع زراعة الحشيشة وتصنيعها للإستعمالات الطبية على غرار العديد من الدول الأوروبية، وبعض الولايات المتحدة الأميركية.

موقف الرئيس بري لاقى ردود فعل عديدة في الأوساط السياسية والإعلامية والشعبية سيما مواقع التواصل التي شهدت سجالا واسعة بين المؤيدين والمعارضين لاعتبارات علمية وشرعية واجتماعية.

ولتوضيح الصورة أكثر لدى المتابعين والمهتمين من المفيد الإطلالة على هذا الموضوع من زواياه المتعددة خصوصا من الناحية الشرعية التي توقف عندها كثيرون خلال السجالات التي أشرنا إليه.

أولا المعنى اللغوي:

لغويًا، الحشيش هو ما يبس من الكلأ، فلا يقال للرّطب من الكلأ حشيشا؛ بل يُقال للعشب الرّطب الخلا، بفتح الخاء، أما الكلأ فيُطلق على الجميع، وبالنسبة لكتب اللغة ومعاجم الأقدمين إذ عرّف الحشيش أيضًا، في نهاية الأرب، بأنه بزر شجرة القنّب. وهذا هو المعنى الذي أقرّه المعجم الوسيط للمجمع اللغوي: الحشيش هو نبات مخدّر.

الحشيش أو الحشيشة إذن هو هذا النّبات المخدّر، وهو مستخرج من نبتة القنّب الهندي. ويُسمّى أيضا «الحيدرية» و«القلندرية»، نسبة لطوائف من الصوفية؛ كما يُدعى أيضا حشيشة الفقراء والغبيراء أو الشهدانج حسب تاج العروس، وهي كلمة فارسية تعني سلطان الحبّ. وقد وُصف الحشيش بأنه شجرة على قدر ذراع، ورقها يغلب عليه البياض وثمرها كالفلفل ويشبه حبّها السمنة، وهو حبّ ينعصر منه الدهن.

ثانيا فوائد الحشيش الطبية:

تحدّث ابن سينا عن الحشيش في كتابه القانون وذكر فوائده الطبية، فقال: «بزره يطرد الرياح ويجفّف، تنفع عصارة دهنه لوجع الأذن وحبه عسر الانهضام رديء للمعدة». وقال حنين بن إسحاق: «طبعه حارّ يابس وهو يطرد الرياح ويجفّف وهو عسر الانهضام رديء الخلط قوي الاسخان ومقلوه أقلّ ضررا. وإذا طبخت أصول القنب البري وضمّدت بها الأورام الحارّة في المواضع الصلبة التي فيها كيموسات سكنت الحرارة وحللت الصلبة، وهو مصدع بحرارته وعصارته تقطر لوجع الأذن ولرطوبة الأذن، وكذلك ورقه ودهنه قلاع للحزاز في الرأس وهو يظلم البصر ويضعف المعدة ويجفف المنيّ، ولبن الشهدانج البري يسهل برفق، ونصف رطل من عصيره يحل الاعتقال ويطلق البلغم والصفراء».

حديثا تحدث علماء كثر عن فوائد طبيعية كثيرة ومتعددة حيث تعتمده عديدة في مجالات استشفائية وطبية كثيرة سيتم التطرق إليها في مقال لاحق.

إقرأ أيضًا: استغلال معاناة البقاعيين أيضًا وأيضًا، المزيد من الإبتزاز والإستغلال

ثالثا الرأي الشرعي والفقهي:

أجمع مراجع أهل السنة على التحريم الفقهي للحشيش واستند الفقهاء في تحريم الحشيش، ومنهم أيضا العديد من فقهاء الصوفية رغم انتشاره بينهم، علـى قوله تعالى: «إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون، إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدّكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون»(المائدة 90-91). وعاد بعضهم إلى ما رواه مسلم في صحيحه عن الرسول الأكرم: «كلّ مسكر خمر وكل خمر حرام»؛ وما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سُئل رسول الله فقال: كلّ شراب مُسكر فهو حرام، وما رواه ابن حنبل في مسنده: عن أمّ سلمة رضي لله عنها قالت: «نهى رسول الله عن كل مسكر ومفتر».

ما يتّفق عليه أهل السنة هو أن علماء المذاهب الأربعة أجمعوا على تحريم الحشيش، كما اتّفقوا على تحريم الخمر؛ وليس هذا إلا من باب الاجتهاد الذي لا يمكن له أن يصبح من المسلّمات والقطعيات، بما أنه لا حكم بالظن في دين الإسلام؛ فهذا التحريم الفقهي من باب ظنّ العلماء لا تفريعا عن أصل ثبت من حكم قرآني لا اجتهاد فيه.

فقهاء الشيعة الإمامية فرقوا بين الإستخدام الشخصي المضر والمؤذي وبين الإستعمال الطبي فصدروا الفتاوى بتحريم الاستخدام الشخصي فيما أباح المراجع المستخدمات الطبية بحدودها الاستشفائية.

وسئل الإمام الخوئي رحمه الله : هل تجوز زراعة الترياق والهيروئين وبيعهما، خصوصا مع فرض امكان الانتفاع بهما ببعض الفوائد ؟ فأجاب : لا مانع من ذلك في حد نفسه،ما لم يترتب عليه مفسدة.

في إشارة واضحة أن الإستخدامات الطبية للحشيشة لا مانع منها بشرط عدم تحولها إلى مفسدة.

المرجع السيستاني قال ردا على سؤال: ما هو حكم زراعة او تجارة القنب الهندي؟ هو نبات له تأثير مخدر وليس له تأثير قوي كالترياق او الكوكائين، ويستخدم ايضا في المجال الطبي؟

زراعته والتجارة به لا اشكال فيه في حد نفسه مع كونه ذا منفعة محللة مقصودة عند القلاء إذ أن أليافه المغطية لسوقه تغزل وينسج منها الأقمشة، ويتخذ منه القرطاس، ويفتل منه الحبال.

وقال السيد علي خامنئي في جوابه على سؤال: هل يجوز التداوي وعلاج المرض باستعمال المواد المخدرة؟ وعلى فرض الجواز، هل يجوز مطلقا أم يختص بحالة توقف العلاج عليه؟

لو كان التداوي والعلاج متوقفا على استعمالها بنحو، وكان بتجويز الطبيب الموثوق به فلا مانع فيه.

وأجاب أيضا على سؤال آخر: إذا كانت للانتفاع المحلل المعتنى به منها كالاستفادة منها في صنع الأدوية وفي علاج المرضى ونحو ذلك فلا بأس فيها.

يتضح مما سبق أن دعوة الرئيس بري في هذا المجال تأتي في مكانها الصحيح فيما لو حصلت ضمن الضوابط القانونية والرسمية وبالتالي تسهم كتجربة جديدة إلى حد كبير مع مبرراتها الشرعية والطبية والإجتماعية في تجاوز الأزمات الإنمائية والمعيشية في منطقة البقاع.