المراوحة سيّدة الموقف وبري يُطلق صفارة الإنذار
 

أواخر الأسبوع المقبل يدخل تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة الجديدة شهره الثالث وسط دوّامة عقد تحول دون تجاوزها إلى مرحلة الولادة الطبيعية. وفي غياب أي تطوّر ملموس على صعيد المشاورات التي يجريها الرئيس المكلف مع كافة أفرقاء لعبة «شد الحبال»، تبدو الصورة سوداوية وفقاً لرئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي حرص على إبلاغ النواب الذين التقاهم يوم الأربعاء (امس) بأنه لم يطرأ أي تغيير أو جديد في موضوع تشكيل الحكومة بعد مضي قرابة الثمانية أسابيع على التكليف.


ولأن المراوحة ما زالت في نظر رئيس المجلس هي سيّدة الموقف، فقد قرّر دعوة الهيئة العامة للمجلس النيابي إلى جلسة تشاورية اعتبرها بعض النواب بمثابة حث الرئيس المكلف بالتشاور مع رئيس الجمهورية على الإسراع في حسم مسألة تأليف الحكومة ولو اقتضى الأمر لجوئهما إلى فرض الأمر الواقع على الجميع، لأن البلد، كما قال للنواب، أحوج ما تكون في هذه المرحلة إلى وجود حكومة فاعلة لمعالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تتخبّط فيها ولإخراجها من هذا الجمود وهذه المراوحة، واستعادة  ثقة النّاس وتفعيل عجلة العمل في المؤسسات. فيما اعتبرها نواب آخرون، استناداً إلى اللهجة التي استخدمها رئيس المجلس عندما تطرق رداً على أسئلة النواب إلى موضوع دعوة مجلس النواب إلى جلسة عامة للتشاور حول ما آلت إليه أزمة تأليف الحكومة، بأنها رسالة تحذير موجهة إلى الرئيس المكلف وإلى رئيس الجمهورية بوصفه شريكاً اساسياً في التأليف بأن مجلس النواب الممثل الشرعي للرأي العام اللبناني، لن يترك الأمور إلى مزيد من التدهور وسوف يُقدم على اتخاذ الخطوات اللازمة من ضمن الدستور لإنهاء حالة المراوحة بالنسبة إلى تأليف الحكومة إذا لم يحسم المعنيون بالتأليف الأمر خلال مُـدّة لا تتعدّى الأسبوع.


الرئيس برّي أطلق صفارة الانذار بعد ان اطلع من الرئيس المكلف على كل التفاصيل المتعلقة بتشكيل الحكومة، وعلى العقبات التي ما زالت تحول دون انتقاله إلى مرحلة التأليف، وادرك رئيس المجلس ان الأفق أصبح مسدوداً امام الرئيس المكلف ولا بدّ من احداث صدمة قوية تحمل واضعي العقبات في وجهه على إعادة النظر في هذه المواقف، وان يدركوا بأنهم ليسوا وحدهم من يدير اللعبة السياسية في البلاد، بل ان هناك شركاء يملكون أيضاً القدرة على وضع الأمور في نصابها الحقيقي كما انهم قادرون على وضع حدّ للتلاعب بمصير هذا البلد تحت حجج وذرائع واهية لا تمت إلى الواقع بأي شيء على الإطلاق.


وما لم يعلن أو يسرب عما افضى به الرئيس المكلف إلى رئيس المجلس، بدأ يخرج إلى العلن من توتر في العلاقات بين الرئاستين الأولى والثالثة عن أخطاء ترتكب وأخرى عن تبني مطالب يرفضها الرئيس المكلف وعن انتظار لن يطول، ثم ما تردّد عن كلام قاله رئيس التيار الوطني جبران باسيل بحق رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط والرئيس الحريري بلغ مسامع الأخير فيه من السخرية ما يغيظ، ما حمل الأوساط السياسية على فتح قوس كبير عمّا إذا كان هذا التدهور الدراماتيكي في مسار التأليف سيتوقف عند هذا الحد بعد الرسالة التي وجهها الرئيس نبيه برّي، أم ان مسلسل الهجمات التي يقودها الوزير باسيل سيتواصل ويرتفع معها جبل العقبات في وجه تأليف الحكومة، على حدّ ما يعتقد رئيس مجلس النواب، وباح بجزء منه في لقاء الأربعاء النيابي على أمل منه في ان يرتدع واضعو العقد في وجه الرئيس المكلف ويتواضعوا بعض الشيء بمثابة إثبات حسن النية والكف بالتالي عن توظيف حاجة الرئيس الحريري إلى قيام حكومة بأسرع وقت ممكن تتولى العمل على ايفاء لبنان بإلتزاماته تجاه الدول الراعية في مساعدته التي عبّرت عنها في مؤتمر «سيدر» وفي غيره من المؤتمرات وايضاً الكف عن توظيف أوراق إقليمية في مجال الضغط على الرئيس المكلف من أجل الرضوخ لشروطها خصوصاً في ما يتصل بالعقد السنيّة والمسيحية والدرزية مع علمها بأن الحريري لن ينصاع لمثل هذه الشروط الموضوعة مهما طالت أزمة التأليف كما تؤكد أوساط «بيت الوسط» ومواقفه نفسها، وكما أكّد سابقاً رؤساء الحكومة السابقون ودار الفتوى، والكتلة النيابية لتيار «المستقبل» ويتجدد هذا التأكيد في كل يوم على لسان المرجعيات الإسلامية السنيّة.


وتضيف هذه الأوساط انه إذ كان الرئيس المكلف ما زال يلتزم الصمت إلى الحد الأقصى متجنباً الرد على ما يثار ولا سيما في وسائل الإعلام، ويفضل التريث لقراءه أعمق في خلفيات ما يحصل مستنداً إلى مبدأ المصلحة الوطنية التي تتغلب على أي اعتبار آخر فهو لا يتوانى عن إبلاغ الرسائل إلى المعنيين بما يتوجّب عليهم بالنسبة إلى مراعاة وضعه الداخلي وحساباته العربية.