"القوات" هي "القوات اللبنانية"، الميليشيا المسيحية التي نشأت في الحرب وتحولت بعدها الى حزب سياسي. 

"القوات الجدد" (الجديدة)، هي التسمية التي أطلقتُها على "التيار الوطني الحر"، الحزب اللبناني المسيحي الذي نشأ بعد الحرب بقيادة زعيمه العماد ميشال عون.

"القوات الجدد" (الجديدة) هي اقتباس من تسمية "المحافظون الجدد" الرائجة في الولايات المتحدة الأميركية.

سبب الاقتباس، هو ان تسمية "المحافظون الجدد" اطلقت على مجموعة كانت تقول بالليبيرالية السياسية، في حين ان توجهاتها يمينية متشددة تتقارب بشكل كبير مع التوجهات المحافظة.

التسمية كانت نقداً ايديولوجيا لمروّجين لليبيرالية الأميركية الحديثة الذين اصبحوا اكثر محافظة من المحافظين انفسهم.

الشبه كبير هنا، مع تطور خطاب "التيار الوطني الحر" الذي انطلق من مبادئ علمانية، مميِّزا نفسه عن "القوات اللبنانية" ومرسِّخاً شعبيته من خلال انتقادها، ليعود هذا "التيار" بعد ذلك ويستقر على مواقف مذهبية وطائفية من خلال طرحه "القانون الارثوذكسي" وتمسكه بالمحاصصات الطائفية عبر معارك سياسية متواصلة.

وقد تجاوزت هذه الأطروحات في تطرفها، مواقف "القوات"، التي بدت بعد الحرب، أكثر اعتدالاً وانفتاحاً. مما يشكل ربما تفسيرا لانحياز "قدامى القوات" المعارضين لجعجع إلى "التيار".

المسألة لا تقتصر على الموقف من الطائفية، بل تعدّتها ايضا إلى الموقف من العائلية والاقطاع، حيث بالغ "التيار" خلال حكمه وفي بعض تحالفاته، في الاعتماد على أفراد العائلة والرأسمال الكبير.

ناهيك بالمبالغة في تحميل النازحين السوريين مسؤولية الأزمة الاقتصادية، في سياق خطاب لرئيس "التيار الوطني الحر" يلامس العنصرية.

قد لا يعبّر هذا التحول في مواقف "التيار" عن الاتجاهات كافة داخله، بل عن الاتجاه الأكثري الذي يمثله رئيسه الحالي، جبران باسيل.

لكن تسمية "القوات الجدد" لا تستمد شرعيتها فقط من وقوف "التيار" في مواقفه "على يمين" "القوات".

فالعلاقة بين قيادتَي الحزبين، الرئيس عون والدكتور جعجع، علاقة عضوية من حيث تحدرهما معاً من فريق مؤسس "القوات اللبنانية"، الرئيس بشير الجميل.

كما ان نشأة حزبَي "القوات" و"التيار"، جاءت نتيجة نزعة للاستئثار بالتمثيل المسيحي من خلال استخدام القوة، أكان عبر معارك "توحيد البندقية" التي قادها بشير الجميل عندما كان قائداً لـ"القوات"، أو عبر "حرب الالغاء" ضد "القوات" التي قادها العماد عون عندما كان قائداً للجيش ورئيسا للحكومة الانتقالية.

يجمع الاثنين ايضا، في المرحلة الحالية، التحاقهما بالصراع السنّي - الشيعي في لبنان والمنطقة وتبريرهما "الايديولوجي" لهذا الالتحاق، كلٌّ على طريقته.

لعل الهوس بـ"القوة" وخصوصاً من جانب "التيار الوطني الحر" واعلانه "تكتل لبنان القوي"، ومن بعده هوس "القوات" واعلانها "تكتل الجمهورية القوية"، هو نوع من التعويض النفسي عن واقع الالتحاق بالاطراف الاخرين الذين يحددون فعلا السياسات الأساسية في البلاد.

هذا التشابه لا يلغي افتراق الحزبَين على اكثر من صعيد.

ففي المرحلة الأخيرة راحت "القوات" تتمايز عن "التيار" في مجالات عدة: تماسك اكبر على مستوى الاقتناعات، وتناقض اقل بين الخطاب والممارسة؛ أداء وزاري افضل؛ احترام أكبر للقوانين؛ لوائح انتخابية أكثر تجانساً؛ إشراك أكبر للمرأة في مواقع المسؤولية.

لا تسمح هذه العجالة بمحاولة فهم هذه التحولات عند كل من الطرفين، وما اذا كانت بنيوية او ظرفية ومتصلة بممارسة السلطة او معارضتها.

ولا بد لهذا الفهم من ان يمر عبر دراسة لعوامل متفاعلة بعضها مع بعض: الانتماءات الاجتماعية والطبقية والمناطقية للمحازبين؛ المسار التاريخي والتحديات التي واجهها كل حزب منذ اتفاق الطائف؛ طبيعة التحالفات المحلية والإقليمية التي نسجها كل طرف؛ التحولات في الواقع اللبناني ككل؛ التحولات في أوساط الرأي العام المسيحي؛ نمط القيادة والخطاب الذي يعتمده رئيسا الحزبين، اي كلٌّ من سمير جعجع وجبران باسيل.

ان الخلافات التي عادت وتأججت بين الطرفين خلال الانتخابات النيابية وبعدها، ولا سيما لمناسبة العمل على تأليف الحكومة، يمكنها ان تتطور في اتجاهات عدة.

إما في اتجاه بلورة الخلافات والتعبير عنها ديموقراطيا من خلال طرح سياسات مختلفة. وفي هذا المنحى، ثمة فائدة وطنية من حيث تطوير السياسات وتفكيك التحالفات الطائفية. وعلى امل ان يكون لذلك انعكاسات داخل الطوائف الاخرى، نحو المزيد من التنوع والتعدد.

وإما في اتجاه طمس الخلافات في اطار "المصلحة الطائفية" والعودة الى ما يشبه "تفاهم معراب" من خلال توزيع المواقع والمغانم تحت عنوان "دعم العهد".

في هذا المنحى دفع نحو المزيد من المحاصصة الطائفية على حساب السياسات الوطنية المطلوب منها معالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.

مبادرة بكركي الاخيرة في جمع الطرفين، قد تدفع للاسف في الاتجاه الثاني. لكن الممارسة على الارض في ظل تفاقم المشكلات وفي اطار من التأزم الاقليمي قد تعيد احياء الاختلافات ومعها الخلافات السياسية.