بعد أقل من ثلاثة أشهر ونصف الشهر ينقضي عامان من عمر العهد. مهلة تجاوزت «فترة السماح» التي تُعطى عادةً للعهود. بدأ خصوم العهد ومؤيّدوه ، باكراً، تقديمَ «مرافعاتهم» حول أدائه وممارساته و»إنجازاته». داخل القصر الجمهوري إصرارٌ على أنّ «عصي» العرقلة لن تثني «الرئيس القوي» عن إكمال ما بدأه. في الخارج تُرفَع البطاقةُ الحمراء: «بدأ الانهيار»!
 

غداة إعلان الرئيس سعد الحريري دعم ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية كانت قد اكتملت تقريباً صورة «التفاهمات» الداخلية التي كرّست عون بعد 888 يوماً من الشغور الرئاسي الرئيس الثالث عشر للجمهورية.


تفاهم صلب عمره عشر سنوات مع «حزب الله»، تفاهم «طريّ العود» ومكتوب مع حزب «القوات اللبنانية»، تفاهم شفوي غير مكتوب بين رئيس «التيار الوطني الحر» ورئيس تيار «المستقبل»، تفاهم بعناوين عامة على «التهدئة» مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وتفاهم «ربط نزاع» مع رئيس مجلس النواب نبيه بري تحت شعار «رفض إنتخاب عون لكن دعم العهد... حسب الأداء!»


قبل أيام من الانتخاب كان رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل واضحاً في الاعلان عن «معادلتين» ستظلّلان «حكم الجنرال» الرئاسي: الأقوياء يحكمون في طائفتهم، والعمل على إستكمال التفاهمات السياسية، خصوصاً مع جنبلاط، لكن هذه المرة برعاية «بيّ الكلّ» بعد إنتخابه رئيساً.


أوّل إختبار فعلي لمعادلة «الأقوياء في طائفتهم» تُرجم بإعطاء باسيل الحرية لأعضاء تكتل «لبنان القوي» في إنتخاب بري أو الاقتراع بورقة بيضاء في جلسة إنتخاب رئيس مجلس النواب ردّاً على عدم إنتخاب نواب حركة «أمل» عون رئيساً.


حكماً لو صوّتت «القوات» لمصلحة بري كان العونيون إقترعوا جميعاً بالورقة البيضاء لـ«القوي» في طائفته. تفادى باسيل بقراره هذا غياب معيار الميثاقية في إنتخاب بري. لاحقاً، وفي مشاورات تأليف الحكومة، كبّلوا «القوي» في طائفته السنّية بشروط ومطالب عالية السقف، ردّد محيط الحريري في الأيام الماضية، بأنها «تعجيزية» وغير منطقية. على المقلب «القواتي»، يخوض «التيار» ما يشبه «حرب إلغاء» على «القوي» الرقم 2 في طائفته!


يكاد ينقضي العام الثاني على العهد وسط إنهيارات متتالية لتفاهمات منها المكتوب ومنها «المأمول» أن يُكتب أو يعلن شفوياً.


منعاً لأيّ إلتباس «ورقة معراب» لم تعد تصلح حتّى «تلوينة» لكوب شاي بعدما تكفّل الطرفان دفنها ومحو بنودها في شقها «المحاصصاتي» وبجزء كبير من تأثيرها المعنوي على الشارع المسيحي.


وعلى مستوى مشروع التفاهمات المكتوبة مع بري وجنبلاط صار «التفاهم» بين «حزب الله» و»القوات» أقرب الى التحقيق من توقيع «تفاهم المختارة» أو «تفاهم عين التينة» مع «التيار»! لكنّ السؤال الأهمّ ماذا عن مصير التفاهم غير المرئي، أو التسوية الرئاسية، بين عون والحريري عبر باسيل ونادر الحريري؟


يُصبح هذا السؤال بديهياً وسط أزمة الثقة التي يمرّ بها الطرفان والتي دفعت الحريري للمرة الأولى منذ العام 2011 تاريخ إزاحته من السراي الحكومي الى الإستنجاد بـ«الطائفة» لإعلان التمسّك بصلاحيات الرئاسة الثالثة في مواجهة «المُشركين» بها!


وفق المعلومات، ثمّة تفاهم سياسي شفوي كبير صاغه الحريري وباسيل، واستدعى جلسات عمل عدة، وَصل في بعض بنوده الى حدّ التوافق على إسم قائد الجيش قبل إنتخاب عون رئيساً، إضافة الى بعض التعيينات الأساسية. مفاصل التفاهم ركّزت بمجملها على عناوين عامة «أهمّها الشراكة بين الرئيس المسيحي القوي ورئيس الحكومة الذي يعكس وجه الإسلام المعتدل»، وقد تمّ التركيز على هذا البند فيما كانت الحدود اللبنانية لا تزال تحت رحمة التنظيمات الإرهابية المتطرفة والجرود تنتظر «يوم التحرير».


وشمل الاتفاق في الأساس تكريس المناخات «المحلية» التي أوصلت عون الى الرئاسة، بمعنى «القوي» في شارعه هو مَن يصل الى رئاسة الجمهورية، وليس مَن توصله الحسابات الخارجية فقط أو مَن يُفرَض فرضاً على اللبنانيين. عنى هذا الاتفاق بنحو غير مباشر، بقاء الحريري رئيساً لحكومات العهد، طالما أنّ نتائج الانتخابات النيابية تعكس هذه المعادلة.


وشملت التسوية إحترام «إتفاق الطائف» وتطبيقه وفقاً لمنطق الشراكة، ومكافحة الفساد، لكن من خلال وضع خط فاصل مع مرحلة «النزاع» بين «التيار» و«المستقبل» حول ملفات الفساد مع التوافق على إيجاد صيغة في شأن مبلغ الـ 11 مليار دولار الذي صُرِف خلال حكومة الرئيس فؤاد السنيورة من دون «كسر» أيٍّ من الطرفين، والتركيبة الوزارية لحكومة العهد الاولى، تحت عنوان «حكومة وحدة وطنية»، والتي كرّست حصول «معسكر» «المستقبل» وعون و«التيار الوطني الحر» على النصف زائداً واحداً في الحكومة الماضية من خلال تسعة وزراء لرئيس الجمهورية وباسيل وسبعة وزراء للحريري...

وتضمّن التفاهم التوافق على قانون الانتخاب وإقرار الموازنة العامة للدولة وتصحيح السياسات المالية «الملتوية»، ودعم القطاع الخاص، وإعطاء أولوية قصوى لملف النفط وتنفيذ مشروع اللامركزية الادارية...


عناوين عامة الأساس فيها تكريس تسوية بين «قويّين». خلال عام وسبعة أشهر من عمر حكومة العهد الأولى إنتقد مستشارو الحريري الكبار، وحتى خصومه، تنازلاته غير المفهومة في شأن أكثر من ملف أمام عون وباسيل، فيما شكّلت «إنتفاضة» رئيس الحكومة المكلّف على «قيود» بعبدا، بعد إنطلاق مشاورات تأليف الحكومة الثانية، منطلقاً لإتهام قيادات في «التيار الحر»، صراحة أو مواربة، الحريري بـ «تأخير تأليف الحكومة لتعطيل العهد»!


صورة واحدة تجمع باسيل والحريري في «بيت الوسط» لا تبدو كافية لتقريب المسافات بين الحليفين المفترضين، في ظلّ تأكيد قريبين من الرئيس المكلّف على أنّ باسيل يقابل بسلبية جهود الحريري لتدوير زوايا العقد الحكومية، فيما سادت في الساعات الماضية أجواء تفاؤلية من جانب «بيت الوسط» تكتّم الحريري أمام أعضاء «كتلته» عن ذكر أسبابها في وضوح.


حتى الآن لا يُسمَع من الطرفين تشكيك بـ «صمود» التسوية العونية -الحريرية التي لا تزال قائمة وسارية المفعول، بتأكيد الطرفين، مع حرص على حمايتها من «الهزّات» الحكومية. لكن يظلّلها هاجس «بيت الوسط» من سعي «فريق العهد» لتأمين «الثلث المعطل» داخل الحكومة ومن تصلّب باسيل.


وفق المعلومات، انتقل ملف التفاوض بين الطرفين الى المعاونين الاساسيين للحريري وباسيل، فيما التواصل المباشر مقطوع بينهما. وقد نقل عن الحريري قوله خلال إجتماع كتلة «المستقبل» أمس «إنّ التسوية الرئاسية أنتجت حكومة أنجزت كثيراً خلال عام ونصف عام، والمطلوب أن تظلّل حكومة العهد الثانية التي ستواكب مشروعاً إقتصادياً طموحاً»، قاصداً مؤتمر «سيدر»، الذي «يفترض أن نواجه من خلاله الوضع المالي والاقتصادي المزري في البلد». يذهب قريبون من الحريري الى أبعد من ذلك قائلين: «سقوط التسوية سيكون سقوطاً للعهد».