إنّ آخر لائحة اتهامات صادرة عن روبرت مولر في تحقيقاته حول التدخل الروسي في انتخابات عام 2016 ، مليئة بالتفاصيل غير العادية. ومع ذلك، فإن اكتشافه الأكثر إثارة، هو مدى قوة المخابرات الاميركية وكم هي بالوقت نفسه مخيفة .

وتبيّن لائحة الاتهام التّي وجهها مولر كيف قام ضباط الاستخبارات الروس بالتحقيق في خوادم اللجنة الوطنية الديمقراطية ولجنة حملة الكونغرس الديمقراطي وحملة هيلاري كلينتون وسرقتهم. يسرد أسمائهم ورتبهم. تكشف تفاصيل كيف يدفعون بعملة البتكوين (bitcoin) للحصول على ما يحتاجونه، عن ماذا بحثوا، وما هي البرامج التي استخدموها وكيف حاولوا إخفاء مساراتهم. إنها تكشف عن شخصيات زائفة تستخدم للتفاعل عبر الإنترنت مثل "أليس دونوفان"، "جيسون سكوت" و "ريتشارد جينجري". وفي اللائحة تفاصيل محيرة حول توقيت الحملة ففي نفس اليوم الذي طلب فيه المرشح دونالد ترامب علناً من الروس "العثور على 30,000 رسائل بريدية إلكترونية مفقودة"، على سبيل المثال، سرق المتسللون الروس خوادم كلينتون الشخصية. كل هذا يجعل القراءة مثيرة  وفيها الكثير من الأدلة القاطعة، لكنّه يكشف أيضًا عن هشاشة وسخرية الخصوصية على الإنترنت.

لقد سخّرت القدرات الحكومية الاميركية طاقاتها قبل خمس سنوات، حيث كانت الغزوات المحتملة للخصوصية ضرورية لإلقاء اللوم على حكومة أجنبية استخدمت تقنيات أكثر فظاظة لقراءة اتصالات المواطنين الأمريكيين ولم تكتف بذلك بل نشرتها على الانترنت ايضًا. بعبارة أخرى، نحتاج إلى الأخ الأكبر لفضح التطفل على الإخوة الصغار. 

انّ التهديد الذي تفرضه روسيا على خصوصية مسؤولي الحزب الديمقراطي مثل جون بوديستا ونيرا تاندين لا يشكل حدثاً عابراً ، فالدول الأجنبية والجهات الفاعلة الخاصة تعتبر تهديدًا خطيرًا ومستمرًا لخصوصية المواطنين الأمريكيين. هناك العديد من الاختراقات في السنوات القليلة الماضية. قرصنة 2014 من Sony Pictures قبل إصدار "The Interview" ، وهو محاكاة ساخرة لدكتاتور كوريا الشمالية. كشف هذا الاختراق رسائل البريد الإلكتروني والرسائل الشخصية لمديري هوليوود ونجوم السينما. قام مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) ومخابرات الولايات المتحدة بإتهام كوريا الشمالية، بعد وقت قصير من الهجوم، لكنّهم لم يصرحوا عن اي نوع من التفاصيل الموجودة في لائحة الاتهام الخاصة بمولر.
 
وفي قضية إليوت برويدي، والّذي كان مسؤولًا عن جمع التبرعات في حملة ترامب في وقت سابق من هذا العام، بدأت المنافذ الإخبارية بنشر مجموعة من رسائل البريد الإلكتروني الشخصية التي أظهرت كيف دفع برويدي الرئيس ترامب ليطلق النار على وزير الدولة ريكس تيلرسون. كما وبحسب ما ورد أراد برويدي أن تتخذ الولايات المتحدة موقفًا بجانب المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في نزاعهما مع قطر. تزعم برويدي الآن في دعوى قضائية بأن القرصنة كانت مؤامرة قطريّة، ينكرها القطريون.

على الرغم من نمو صناعة الأمن السيبراني الخاص، فإن هذا النوع من الجرائم يصعب التحقيق فيه وإثباته، خاصة إذا كان الجاني المشتبه به هو دولة أجنبية أو كيان. لدى حكومة الولايات المتحدة إمكانات غير متاحة للقطاع الخاص مما يصعب فكرة الاستهانة بأهمية الاستخبارات الأمريكيّة . إذا أراد ضحايا اختراق الدول الأجنبية الحصول على العدالة ، فإنهم سيحتاجون إلى بنية التجسس الرقمية التابعة لوكالة الأمن القومي.

هذا لا يعني أن الحكومة لا تشكل أي تهديد للخصوصية. ويظهر ذلك من خلال التسريبات للاتصالات الهاتفية التّي تمّ اعتراضها بين السفير الروسي وأول مستشار للأمن القومي لترامب، مايكل فلين، والتي تعد خطيرة. وكذلك الامر وضع معاون ترامب، كارتر بايج تحت المراقبة الفيدرالية. كانت الحكومة الأمريكية مخطئة أيضًا في إخفاء مجموعتها من البيانات الهاتفية من الجمهور إلى أن كشف إدوارد سنودن هذا البرنامج. ولكن عندما تقوم الحكومات الأجنبية مثل روسيا باختراق حسابات مواطني الولايات المتحدة ونشر اتصالاتهم الخاصة علنًا، سيعتمد الأمريكيون دائمًا على وكالات الاستخبارات الأمريكية للتعرف على الأمر. وفي هذا النوع الجديد من الحرب السياسية، فإنّ الإسناد والدعم هما الخطوة الأولى للردع.

ترجمة وفاء العريضي

بقلم ايلي ليك نقلًا عن بلومبرغ