«الشرق الأوسط» تستطلع المنطقة التي أغلقتها القوات الروسية من الطرف السوري
 

أمتار قليلة تفصل العسكري السوري النظامي عن عاملين لبنانيين يستقلان جراراً زراعياً داخل الأراضي اللبنانية. خلافاً لجلبة المحرك الزراعي، لا ضوضاء في المنطقة الحدودية الواقعة في أقصى شمال شرقي لبنان. وحدهم عناصر الفرقة 11 في الجيش السوري التابع لإمرة روسية، يشغلون السواتر الترابية بمعدل أربعة عسكريين يرابضون في نقطة حدودية، تبعد عن الأخرى 150 متر تقريباً. أما في الداخل اللبناني، فلا يملك السكان إلا النقمة والاعتراض: «أرزاقنا مهددة، ونعيش في حصار»، يقول لبناني في بلدة القصر الحدودية، ويضيف آخر: «لم نقدم 128 شهيداً ليخنقنا الروس»، مضيفاً بلهجة قاسية تتضمن عبارات الوعيد: «إذا لم تُفتح الحدود، لن نتردد في مقاومة من يمنعنا عن أرزاقنا».


وكان أهالي المنطقة الحدودية مع سوريا فوجئوا، ومن غير سابق إنذار، الأسبوع الماضي، بعناصر سورية تحت إمرة روسية، يزرعون الأسلاك الشائكة على السواتر الترابية الحدودية مع سوريا، ويزرعون الألغام المضادة للمشاة. وهي خطوة، أراد منها الروس ضبط الحدود مع لبنان، وإقفال المعابر غير الشرعية، وإغلاق ممرات التهريب مع سوريا، قبل أن يبلغ الأهالي في المنطقة الروس عبر قنوات غير مباشرة، أن الخطوة غير مرحب بها، وغير مرغوب بهم في المنطقة، كما يقول السكان، فانسحب الروس وأبقوا عناصر سورية تابعة للفرقة 11 في الجيش السوري، والتي تؤتمر من قيادة القوات الروسية في سوريا، تبعتها خطوة بعد يومين، قضت بإزالة الأسلاك الشائكة والألغام، والإبقاء على عناصر انتشرت على مسافة تتعدى الـ30 كيلومتر.


ولا يخفي السكان أن إقفال المعابر الحدودية غير الشرعية مع لبنان، قضى على حركة الدخول والخروج الاعتيادية منذ السبعينيات من القرن الماضي، ورسم قواعد اشتباك جديدة، تقضي بفصل «الشعبين» في «الدولتين»، وإلزام اللبنانيين بالسير 70 كيلومتراً للمرور عبر معبر جوسيه الشرعي، لقاء الوصول إلى أراضيهم الزراعية المقابلة على مسافة مائتي متر خلف الساتر الترابي. وأقفلت 8 معابر غير شرعية كانت تمر السيارات والآليات عبر العبور فوق ترعات مياه من متفرعات نهر العاصي، بينما يقع أقرب معبر شرعي، في بلدة القاع المحاذي لجوسيه السورية بريف حمص الجنوبي.


والواقع أن الحرب السورية منذ سبع سنوات، لم تمنع آلاف اللبنانيين القاطنين في المنطقة الحدودية مع ريف حمص الجنوبي الغربي، من ارتياد الأراضي السورية. يقول سكان بلدة القصر، البالغ تعدادهم أكثر من 15 ألف شخص، بأن اللبنانيين يمتلكون أراضي زراعية في الداخل السوري في قرى ريف القصير، فضلاً عن وجود 30 ألف لبناني يعيشون في قرى وبلدان بلدات مطربة، وزيتا، والفاضلية، وحاويك، وجرماش، ووادي العرايش والسماقيات، وهي بلدات سورية يقطنها لبنانيون، تدخل «حزب الله» في العام 2013 في الحرب السورية بدافع «حمايتهم» كما أعلن الحزب آنذاك. انتهت الحرب في المنطقة في صيف 2013. وعادت لسيطرة النظام السوري، ولم تقبل المعابر مع لبنان «تسهيلاً لدخول اللبنانيين وخروجهم إلى أرزاقهم»، قبل أن تتخذ روسيا القرار في الأسبوع الماضي.


ويتحدث أبناء بلدة القصر لـ«الشرق الأوسط»، عن أن الفرقة 11 التابعة للجيش السوري: «وصلت إلى المنطقة في الأسبوع الماضي، وأقفلت الحدود وكل المعابر والطرقات غير الشرعية، وزرعت الألغام والشريط الشائك على طول الحدود». اعترض الأهالي، وأبلغوا الروس باعتراضهم. ويشيرون إلى أنه «تم إبلاغ القوات السورية بالاعتراض على إقفال المنافذ الحدودية كاملة». وقال مصدر بارز في البلدة: «أخذت الدولة السورية الاعتراض بعين الاعتبار، وتواصلت دمشق مع الروس. وبعدها بيومين فقط، بدأت القوات السورية بإزالة الألغام والشريط الشائك، وبقي الجيش السوري منتشراً، واضطر إلى فتح معبر صغير للمشاة يدخل عبره اللبنانيون إلى قرى ريف القصير، حيث يستقلون سيارات أجرة سورية للوصول إلى أرزاقهم في القرى السورية».


ويعد هذا الإجراء الثاني الذي تتخذه القيادة العسكرية الروسية في المنطقة، بعد اتخاذها قراراً في مطلع الشهر الماضي بالانتشار على طول الحدود مع لبنان، قبل أن يعترض «حزب الله» على «الخطوة غير المنسقة»، ويُحلّ الخلاف بوساطة دمشق عندما سيطر جنود من قوات النظام على ثلاثة مواقع انتشر فيها الروس قرب بلدة القصير في منطقة حمص.


لكن الإجراء الأخير يطال بشكل صريح، مصالح اللبنانيين وخطوط التهريب والعبور غير الشرعي مع لبنان، علما بأن المعبر الشرعي الوحيد يقع في بلدة القاع اللبنانية إلى الشرق من الهرمل، وتبعد عن بلدة القصر مسافة 30 كيلومتراً، ما يعني أن أصحاب الأراضي يتعين عليهم العبور مسافة 70 كيلومتراً، منها 40 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، للوصول إلى ممتلكاتهم.


مقاربتان للاعتراض


غير أن الأسباب التي تقف وراء هذا الاعتراض، تتخطى وجود ممتلكات للبنانيين في سوريا. فالسكان هنا، يقدمون مقاربتين مختلفتين، أولاهما الاعتبار بأن إقفال الحدود له هدف سياسي روسي، يسعى لإقفال منافذ العبور التابعة لسلاح «حزب الله» من سوريا، وإقفال منافذ التهريب، بالنظر إلى سهولته في هذه المنطقة السهلية على ضفاف نهر العاصي، خلافاً لمناطق شرق بعلبك الجبلية التي تصعب فيها عمليات التهريب، وهي مناطق لم ينتشر الروس أو القوات السورية الحليفة لهم فيها. ويقول السكان: «ذرائع الروس حول دخول الإرهابيين والسيارات المفخخة، غير صحيحة. فالمنطقة آمنة منذ 2014. وبالتالي، لا إرهابيين هنا».


أما المقاربة الثانية للاعتراض، فهي اقتصادية بحتة، يعبر عنها السكان بالقول: «لن نسمح بخنقنا، ولن نسمح بتحويلنا إلى منطقة معزولة ومحاصرة». وتنطلق هذه المقاربة من كون اللبنانيين، يعيشون في منطقة نائية تفتقد للخدمات، ووجد السكان منفذاً لذلك بالتوجه إلى سوريا لشراء حاجياتهم، وللطبابة، كونها أقرب، وأقل سعراً. يقول أحد سكان القصر: «كنت أتزود بحاجات البيت من سوريا بقيمة 2000 ليرة سورية، أستطيع أن أشتري حاجاتنا من الخضار والفواكه، بينما أحتاج إلى نحو 30 دولارا لشرائها من لبنان»، مضيفاً: «إذا مرض طفلي، أنقله إلى حمص عبر السير مسافة ثلث ساعة، بينما أحتاج لأكثر من ساعة ونصف الساعة للوصول إلى بعلبك، فضلاً عن أن الكشف عليه عند طبيب يكلفني في سوريا 500 ليرة سورية (دولار ونصف الدولار) بينما أدفع في لبنان نحو 50 دولارا». ويختم: «لقد خنقونا».


منفذ لتخفيف الاحتقان


فيما تتضاءل الحركة في البلدة، يطالب السكان الآن الدولة اللبنانية بحل المشكلة وتحريك العجلة الاقتصادية، عبر استحداث معبر شرعي في المنطقة مع ريف القصير. يتناقل هؤلاء أن وجهاء البلدة أبدوا استعدادهم لتقديم قطعة من الأرض تصلح لتشييد معبر شرعي عليها. ويقول أحد السكان: «لا نعارض ضبط الحدود، ونحن نرغب في وجود الدولة في منطقتنا، لكننا نطالب بمعبر شرعي. كان التنقل مسموحاً قبل الأزمة السورية. الآن ماذا تغير؟ حضر الروس ليضايقونا، كذلك تضايقنا الدولة السورية الآن رغم وجود أملاك لنا في الداخل السوري. ثمة بيوت ومزارع وأراضٍ لنا هناك. ماذا نفعل؟» ويقول: «نحن لا نحتمل خنقنا، ولن نسمح به. إذا لم تتحرك الدولة اللبنانية، يجب على دمشق أن تحل المشكلة. وإذا لم تُحل، فإننا سنقاوم من يعمل على حصارنا، وهذا ما يجمع عليه أبناء المنطقة»، مضيفاً: «لم نقدم 128 شهيداً بسبب الحرب السورية لنُخنق بعدها»، في إشارة إلى القتلى الذين سقطوا في المعارك مع فصائل المعارضة وانخراط بعضهم في القتال إلى جانب «حزب الله» في منطقة القصير، إضافة إلى تعرض البلدة لصواريخ وقذائف من الداخل السوري بين العامين 2012 و2014.