عندما تطالب الولايات المتحدة دول العالم بالتوقف عن استيراد النفط الإيراني ابتداء من 4 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، لا يعني ذلك أن البحرية الأميركية ستتصدى للناقلات التي تعبر مضيق هرمز حاملة النفط الإيراني، لكنّ الولايات المتحدة ستعمد إلى فرض عقوبات اقتصادية حازمة على الدول والشركات التي لا تمتثل لوقف استيراد النفط من إيران!


الرئيس حسن روحاني، قال خلال زيارته إلى أوروبا، إن طهران ستعمد إلى منع مرور شحنات النفط من دول الخليج، إذا حاولت واشنطن وقف الصادرات الإيرانية. وسارع قاسم سليماني إلى الثناء على موقف روحاني، في حين قال قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري إن قواته مستعدة لإقفال مضيق هرمز، مشيراً إلى أنه إن لم تستطع إيران بيع نفطها بسبب الضغوط الأميركية، فلن يسمح لأي دولة أخرى في المنطقة بأن تفعل، «فإما أن يستعمل الجميع مضيق هرمز، وإما ألا يستعمله أحد»!


الولايات المتحدة ردَّت سريعاً على التهديدات الإيرانية، عندما أعلن وزير الخارجية مايك بومبيو، بداية الأسبوع، خلال زيارته إلى أبوظبي، أن الولايات المتحدة ملتزمة بإنهاء التهديد الإيراني وحماية خطوط تصدير النفط ومنع إغلاق مضيق هرمز، وأكد تعاون الولايات المتحدة مع السعودية والإمارات والبحرين لإنهاء تهديد صواريخ الحوثيين في اليمن وتحجيم التدخلات الإيرانية هناك.


بدوره، قال القائد بيل آربن، باسم القيادة المركزية للقوات الأميركية، إن الولايات المتحدة وحلفاءها مستعدون لضمان حرية الحركة وتداول التجارة الحرة في مضيق هرمز، وفقاً لتصاريح القانون الدولي. في حين قال مدير التخطيط السياسي بوزارة الخارجية الأميركية، براين هوك، الذي يدير التفاوض مع حلفاء الولايات المتحدة حول استراتيجية جديدة حيال طهران، إن واشنطن واثقة من وجود ما يكفي من الاحتياطات النفطية في العالم للاستغناء عن الخام الإيراني.


وفي نهاية يونيو (حزيران) الماضي، كررت واشنطن دعوة الدول في جميع أنحاء العالم إلى التوقف عن شراء النفط الإيراني منذ الآن، بحيث تصل وارداتها في 4 نوفمبر المقبل إلى الصفر، وحذّر مسؤول رفيع في الخارجية العواصم الأجنبية من أن واشنطن لن تمنح إعفاءات؛ لأن تشديد الخناق على طهران هو «إحدى أبرز أولويات أمننا القومي»، وهذا ما يضع الجميع أمام خيارين؛ استمرار التعامل مع إيران أو خسارتها السوق الأميركية. وفي السياق، من المعروف أن عدداً من العواصم الأوروبية تفاوض واشنطن منذ مايو (أيار) الماضي دون جدوى على ما يبدو، بهدف الحصول على إعفاءات في بعض القطاعات والعقود!


صحيفة «التايمز» البريطانية نسبت إلى مصادر أوروبية أن الرئيس دونالد ترمب سيزيد الضغوط على حلفائه الأوروبيين، من أجل توحيد الجهود الدولية لفرض عقوبات قاسية على طهران، وأنه يهدد بفرض عقوبات إضافية ضد أي شركة تتاجر مع إيران، آملاً أن يجبر هذا النهج، القادة الأوروبيين على التوحد خلفه.


ويقول ريتشارد غولدبيرغ، المفاوض الرئيسي في مجلس الشيوخ الأميركي حول العقوبات على طهران، إن ضغوطاً كثيرة ستُمارس على حلفاء الولايات المتحدة للتماشي مع سياسة واشنطن، ويضيف أنه في حال قامت أي شركة كبرى أو دولة أخرى بانتهاك العقوبات، خصوصاً في مجال تأمين السيولة لإيران، فإن من شأن ذلك أن يقوّض بشدة استراتيجية الحكومة الأميركية، ويعطي الإيرانيين متنفساً للبقاء حتى الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة!


صحيح أن الدول الأوروبية لم تستجب للدعوة الأميركية حتى الآن، لكن هذا لا يعني أنها يمكن أن تتوصل إلى قرار لإنقاذ الاتفاق النووي، ولهذا يستعجلها علي لاريجاني للوصول إلى قرار من هذا النوع، قائلاً إن إيران لن تكتفي بوعود الدول الأوروبية إلى ما لا نهاية، في حين بدأت الشركات الأوروبية العملاقة تغادر إيران، ومنها مثلا «توتل» الفرنسية التي تخلّت عن عقد بقيمة 5 مليارات دولار، إضافة إلى شركة «سيمنز» الألمانية، وشركة «بوينغ» التي تخلَّت عن عقد لتزويد إيران بـ100 طائرة لم تسلّم منها إلا 3.


على خلفية كل هذا، كان محمد جواد ظريف أكثر تشاؤماً، عندما قال إن الدول الأوروبية لا تستطيع فعل كثير من أجل إنقاذ الاتفاق النووي، رغم وعودها بمواصلة العلاقات التجارية من خلال الشركات الصغيرة والمتوسطة، وإن فشل الاتفاق النووي قد يؤدي إلى سقوط النظام وتفكيك إيران، مضيفاً أن الولايات المتحدة قد أحكمت قبضتها على الشريان الاقتصادي الإيراني!


ويكشف ظريف أن واشنطن جمّدت بالكامل أصول إيران من خلال اعتقال رجلي الأعمال رضا ضرّاب، وعلي صدر هاشمي نجاد، اللذين ساعدا طهران على الالتفاف على العقوبات الدولية، من خلال التحويلات غير القانونية لمليارات الدولارات من العملة والذهب إلى النظام!


والمعروف أن ضرّاب أعلن خلال محاكمته أنه سيتعاون مع الأجهزة الأميركية للكشف عن طرق الاحتيال وغسل الأموال وطرق الالتفاف على العقوبات، في حين يواجه علي نجاد اتهامات بالتورط في عمليات الالتفاف على العقوبات من خلال بنك في مالطا يسمى «بيلاتوس»!


بالعودة إلى المناوشات البحرية السابقة بين الأميركيين والإيرانيين، وتهديدات إيران بإغلاق مضيق هرمز، ورَدّ الولايات المتحدة عليها بأنها لن تسمح بذلك، كان الرئيس دونالد ترمب قد أعلن يوم الاثنين الماضي أن تهديدات الزوارق الحربية الإيرانية في الخليج قد انتهت خلال هذا العام على عكس الأعوام الماضية!


ترمب غرّد في حسابه بـ«تويتر» نقلاً عن إحصائيات البحرية الأميركية، أن مضايقة الزوارق الإيرانية للبحرية الأميركية عام 2015 كانت 22 حادثاً، وعام 2016 بلغت 36 حادثاً، وعام 2017 انخفضت إلى 14، لكنها في سنة 2018 تقف عند الصفر!


وفي رسالة تحذير واضحة إلى طهران، كشفت قيادة القوات البحرية والجوية الأميركية، أنها أجرت استعدادات ميدانية تحسباً لأي صدام عسكري مع الإيرانيين في مضيق هرمز. وفي هذا السياق سبق أن أجرت مناورات سُميت «هجوم المطرقة» على سواحل فلوريدا في 3 مارس (آذار) عام 2017 لتدريب قواتها على مواجهة الزوارق الحربية الإيرانية!


لكن ذلك لا يلغي وجود قناعة لدى دول الاتحاد الأوروبي، عبرت عنها أنجيلا ميركل قبل 10 أيام، بعد اجتماعها مع الملك عبد الله الثاني في عمان، عندما قالت إن الأسرة الأوروبية قلقة من برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، ودعت إلى إيجاد حلول للتصدي لتوجهات طهران العدائية في الشرق الأوسط، مضيفة أنه «ينبغي عدم الاكتفاء بمناقشة توجهات إيران العدائية وتدخلها في سوريا ودورها في حرب اليمن، لكننا في حاجة إلى حلول عاجلة».


وكانت كوريا الجنوبية هي آخر من استجاب للضغوط الأميركية، عندما أعلنت عن إيقاف مستوردات البترول من إيران، وبذلك تأتي بعد الهند التي قامت بإعلام مصافيها بأن عليها أن تأخذ الاستعدادات اللازمة لانخفاض أو لانقطاع البترول المستورد من إيران، بعدما كانت ثاني أكبر مستورد للنفط الإيراني!