بعد جولة الاتصالات المكثفة التي أجراها اثر عودته إلى بيروت، صدر عن الرئيس المكلف تشكيل الحكومة كلام عكس عمق الأزمة التي تتخبط فيها عملية تأليف الحكومة العتيدة، وكشف في الوقت نفسه عن ان هناك جهات تتعمد وضع العصي في طريقه لحمله على الاستسلام لمشيئتها والقبول بالتخلي عن الثوابت التي يؤمن بها للوصول إلى حكومة يتوافر فيها عنصر التوازن الوطني.


الرئيس المكلف ردّ بأنه لن يستسلم للضغوط ولن يمشي في الطريق التي يريدونها مهما طال أمد الأزمة، فمن هي تلك الجهات التي تضع  العراقيل في وجه الرئيس المكلف؟ وما هي مصلحتها في استمرار الشلل في مؤسسات الدولة وانعكاساته السلبية على صورة العهد الذي يطمح لقيام حكومته التي تتولى إطلاق المسيرة الإصلاحية التي جعلها عنوانه الوحيد، ولا يمضي يوم واحد الَّا ويتحدث عنها بإصرار يصل الى حد العناد والمكابرة؟


الرئيس المكلف لم يقصد بطبيعة الحال القوات اللبنانية التي أكدت بلسان رئيسها الدكتور سمير جعجع حرصها على إنجاح العهد، واستعدادها لتقديم التنازلات الممكنة لتسهيل مهمة الرئيس المكلف في عملية تأليف الحكومة ولا قصد الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يُبدي كل حُسن نية وجدية في تسهيل مهمته شرط ان لا يكون ذلك على حساب حصته في الحكومة العتيدة التي فرضتها نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة والتي يُصرّ فريق رئيس الجمهورية على اعتمادها كمعيار اساسي في تشكيل الحكومة، وتوزيع الحصص بين الفرقاء السياسيين.


اذاً، لا يبقى داخل قفص الاتهام بالعرقلة سوى التيار الوطني الحر ورئيسه الوزير جبران باسيل الذي يتعمد البقاء خارج البلاد ويفرض شروطه التي لا يستطيع الرئيس المكلف القبول بها، وكأنه يتعمد بذلك وضع العراقيل في طريقه لحمله إما على الاستسلام لمشيئته والقبول بالحكومة التي يريد الوزير باسيل ان تكون حكومة العهد الأولى شكلاً ومضموناً أو اليأس والاعتذار عن التكليف وإفساح المجال امام فريق العهد للاتيان برئيس جديد على رأس حكومة موالية للعهد ولسياساته الداخلية والإقليمية والدولية، وهذا ما يفسره موقف رئيس الجمهورية السلبي من كل الاقتراحات والمشاريع التي عرضها عليه الرئيس المكلف للتسريع في ولادة الحكومة العتيدة، وتجنيب البلاد والعهد مخاطر الوقوع في فراغ السلطة الاجرائية على مجمل الأوضاع السياسية الأمنية والاقتصادية والاجتماعية.


نتمنى ان لا يكون ذلك صحيحاً، بقدر ما نتمنى ان يكون العهد وفريقه أول العاملين على إزالة العقبات التي تؤخّر تأليف الحكومة، وان يشهد العهد الذي يودّع سنته الثانية حكومة تحظى بثقة اللبنانيين، كل اللبنانيين، ولا تكون مطية لتحقيق مطامع بعض المستفيدين.