من المؤكد أن علي ولايتي، مستشار المرشد آية الله علي خامنئي، لم يلتقِ بنيامين نتنياهو في موسكو، ولكن من المؤكد أيضاً أن الرئيس فلاديمير بوتين نقل للمستشار الايراني ما قال له نتنياهو، وبطبيعة الحال رأيه وموقفه. يبدو أن "القيصر" مُحرَج لأن مصلحته الروسية متناقضة مع مصلحة نتنياهو الاسرائيلية، وهو قطعاً لا يريد أن ينتج هذا التناقض خلافاً عميقاً يطيح بتفاهمات عُقدت مع نزول اول طائرة روسية في سوريا، واستمرت وتطورت لتصل الى حدود التعاون الاستراتيجي الذي سمح للطائرات الحربية الروسية بحرية الطيران في سماء تكاد تكون مشتركة مع الدفاعات الجوية الاسرائيلية من طيران وصواريخ...

الاتفاق الروسي ـ الاسرائيلي قام ونفذ طوال اربع سنوات على قاعدة:

* "يسمح لاسرائيل بحرية العمل بما يحفظ أمنها القومي". من الواضح ان هذا "السماح" ليس له سقف وهو يحتمل التوسع في تنفيذه، ولذلك طور الطيران الاسرائيلي ووسع مساحة عمله وطبيعة أهدافه حتى وصلت الى ما هو ثابت وما هو متحرك لإيران.

* "اعتمدت هذه الحرية على تنسيق مع الروس وقد شمل ذلك كامل الأحداث في سوريا".

التناقض الروسي ـ الاسرائيلي ناتج عن إرادة اسرائيلية مدعومة من الولايات المتحدة الاميركية بان تنسحب القوات الايرانية (المستشارون) ومعها قوات "حزب الله" وباقي الميليشيات الشيعية من كل سوريا وان كانت الخطوة الاولى بعيدا ٤٠ كلم من الحدود عن الجولان المحتل... بينما موسكو مهتمة فقط بتقوية النظام السوري وهي كانت وما زالت غير معنية بتدهور الوضع على الحدود مع اسرائيل... موسكو المتفهمة للمطالب الاسرائيلية تحاول التوفيق بين الممكن والمطلوب. لذلك ترى ان الانسحاب الكامل للقوات الايرانية غير واقعي حاليا وان البديل لذلك بعد انطلاق مسار التسوية السياسية الشاملة اي ربما بعد عام او اكثر وكل التطورات تقول ان التمديد قابل للتمديد...

مقابل الصمت الروسي الذي يصل الى حدود التعاون الاستراتيجي التزمت اسرائيل بألا تتخذ إجراءات عسكرية ضد النظام السوري. المأزق في كل ذلك ان كل ما يجري واقف على حافة الهاوية، واي خطوة ناقصة تقود الى السقوط الى حدود الكارثة وهو ما لايريده احد. الى جانب ذلك ان هذا الإشكال الخطر يتعزز تحت أنظار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي لا يعرف احد ماذا يريد بالظبط والى اين يمكن ان يصل في موقفه، خصوصا وانه يعلن ليلاً ونهاراً انه لن يقبل اقل من تنازل ايراني علني حول الاتفاق النووي وسلاحها الصاروخي وسياستها في كل جوارها...

كل شيء يتوقف على نتيجة القمة الرئاسية بين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين... السؤال الكبير ماذا سيقدم ترامب لبوتين وهل صحيح انه بناء لطلب اسرائيلي سيرفع العقوبات المفروضة على روسيا؟ لا شك ان مثل هذا العرض سيكون مغريا جدا لبوتين خصوصا اذا واكبه عرض القبول بضم القرم ... كل ذلك مقابل الموافقة على طلب سحب القوات الايرانية ورديفاتها ومعها الاتفاق على اتفاق نووي جديد.

لا يمكن الجزم حول اي شيء ولكن من اللافت للنظر انه اذا صح العرض الروسي الذي تلقاه علي ولايتي باستثمار خمسين مليار دولار في قطاع النفط في وقت تهدد فيه واشنطن بتجفيف اي تعاون حوله هو اغراء كبير لطهران، ايضا ان قمة حول بحر قزوين ستعقد والمعروف ان طهران تنتظر بفارغ الصبر الاتفاق حوله حتى يمكنها فتح قناة من هذا البحر عبر أراضيها الى شواطئها المطلة على باب المندب. الى جانب ذلك فان استمرار التعاون الروسي ـ الايراني في سوريا والعراق الذي حمله ولايتي يعني أساسا بالنسبة لطهران الشراكة في اعادة إعمار سوريا والعراق وهي واعدة جدا متى نفذت لانها بمئات المليارات الي ستعوض عليها اتفاقاتها الضخمة.

الدور الروسي اصبح واضحا وهو تعميق التنسيق مع طهران وتل ابيب في سوريا بحيث تحافظ على الامساك بها ولا تعرض تعاونها الاستراتيجي مع البلدين رغم كل التناقضات. يبقى السؤال: ماذا يغري طهران فعلا للقبول بحل وسط يبعد على الأقل شبح المواجهات التي تتضمن احتمال حرب مدمرة للجميع؟