ليست العقد المسيحية والدرزية والسنية بصرف النظر عن كونها حقيقية، سوى القسم الظاهر من جبل الجليد في محيط العقدة الأكبر
 

 لم تؤدِ المشاورات المكثفة التي أجراها الرئيس سعد الحريري، في اليومين الماضيين إلى حصول أي تغيير جذري في مواقف الأطراف ومطالبهم في الحكومة العتيدة يُمكن البناء عليه لفتح ثغرة في الجدار المسدود  .   

 

حتى ان الرئيس المكلف عبّر بعد اجتماعه المطوّل مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي منذ يومين، عن هذا الواقع عندما أكّد على أن العقد الموضوعة في وجه التأليف ما زالت على حالها من دون حصول أي تطوّر إيجابي، ولو كان بسيطاً، من شأنه ان يبعث على التفاؤل بإمكانية الوصول قريباً إلى قواسم مشتركة بين كل الأطراف المعنية لوضع حد للمراوحة وتتيح أمامه سبل التأليف، وللتعبير عن مدى انزعاجه من هذه الحالة دعا الرئيس المكلف هذه الأطراف إلى شيء من التواضع، فمن كان يقصد بهذه الدعوة؟ 

 

إقرأ أيضا : باسيل يهاجم القوات لأنها نقيضه في الحكم والخطاب الوطني

 

 

مصادر سياسية إطلعت على جانب من المشاورات التي تمّت في اجتماع عين التينة بين الرئيسين نبيه برّي وسعد الحريري وتركزت على العقدة المسيحية التي يفتعلها التيار الوطني الحر واعتبرت ذلك بمثابة عمل موجه ضد الرئيس المكلف الذي يهمّه إنجاح العهد في ما تبقى منه في تحقيق مشاريعه وخطته التي أعلن رئيس الجمهورية عنها وأمل في ان تتمكن حكومة العهد الأولى من إنجازها، وقد عكست مداولات رئيس مجلس النواب مع النواب الذين التقاهم يوم الاربعاء في عين التينة، حيث كان اللقاء الاول بعد الانتخابات النيابية، هذا الأمر بوضوح معبراً عن قلقه من المراوحة التي تشهدها عملية الاتصالات التي يجريها الرئيس المكلف لتشكيل الحكومة . أما بالنسبة الى لقاء الرئيس الحريري مع كل من وليد جنبلاط وسمير جعجع في بيت الوسط  فتشير المعلومات ان لا جديد في الافق والازمة لا تزال تراوح مكانها، والعقد لا تزال على حالها، في ضوء الكباش الحاصل وبعض الادوار المشبوهة على خط التأليف. وبالتالي هذا يعني ان الامور لا زالت مكانك راوح . ما يؤكد  أن ما يعانيه البلد ، من مشاكل وازمات مالية واقتصادية واجتماعية ، لا اولوية له وذلك من خلال اعطاء الاولوية للصراع على الحصص في الحكومة . 

 

إقرأ أيضا : بعبدا تنتظر والحريري مستاء!

 

 

كل ذلك لم يزحزح حجرا في الجدران أمام التأليف. والتفسير لذلك هو: إما ان الوضع الاقتصادي والمالي الضاغط ليس ضاغطا كما يبدو في الخطاب. وإما ان هناك ظروفا وحسابات ورهانات تشكّل ضغوطا أقوى على التأليف لأخذه في اتجاهات تقود الى ان يتعرّض لبنان لمخاطر سياسية واقتصادية ومالية كبيرة جدا. وليست العقد المسيحية والدرزية والسنية بصرف النظر عن كونها حقيقية، سوى القسم الظاهر من جبل الجليد في محيط العقدة الأكبر. وهي توصف شكلا بأنها عقدة يسعى هذا الطرف أو ذاك، للحصول على الثلث المعطّل في مجلس الوزراء. إذ، ما دامت كل طائفة تتولى تعيين وزرائها في معزل عن سواها ويتولى الطرف القوي فيها حصرية التمثيل، فلا حاجة الى ثلث معطّل، لأن ممثلي كل طائفة يستطيعون تعطيل مجلس الوزراء في أي وقت تحت عنوان الميثاقية. أما العقدة الأكبر في الجوهر، فانها عقدة القدرة على الحكم والقرار، لا على التعطيل. ان الجمود في تأليف الحكومة يرافق التحرك السريع في التحولات الاقليمية والدولية. 

 

فلا إستعجال التأليف على قياس الإنتصار الظاهر في المشهد الإقليمي، تحسبا لتبدّل المشهد، سوى وصفة لوضع لبنان في مواجهة إنتحارية مع أميركا وأوروبا ودول عربية وإقليمية مؤثرة. ولا الرهان على إنتصار معاكس هو بوليصة ضمان لحدوث تغيير في إطار صفقة مفترضة في قمة هلسنكي.