صيف لبنان مناسبة لاختبار مأساة مصير بحره من التلوث. تعوّد الشعب اللبناني على إلقاء اللوم على المسوؤلين السياسيين وفشلهم وفسادهم، ولكن كارثة البحر البيئية في لبنان ليست وحدها مسوؤلية السياسيين. صحيح أن معالجة النفايات وإنشاء مصانع لهذه المعالجة هي أساسية ومن مسوؤلية طبقة سياسية فشلت حتى الآن في القيام بأدنى جهد لحل هذه المشكلة، ولكن الشعب اللبناني مسوؤل أيضاً عن الكارثة البيئية التي تجعل من شاطئه من الشمال إلى الجنوب بحراً ملوثاً يقتل السياحة وصيد السمك وكل ما يفيد مدن شاطئ المتوسط . فكم هو محزن أن يرى زائر لبنان مواطنين يلقون في البحر بزجاجات المياه الفارغة، وكم هو مثير للتقزز مشهد المتنزهين على شاطئ البحر الذين يلقون بنفاياتهم في بحر هو كنز تجب حمايته والحفاظ عليه.

اللبنانيون الذين لديهم إمكانات مالية يذهبون إلى شواطىء مجاورة في قبرص واليونان وتركيا حيث يحافظ الشعب والدولة على شواطئهم. فما ينقص أن يكون بحر لبنان جاذباً؟ كما هي الشواطئ التركية أو الجزر اليونانية حيث مياه البحر تمثل ثروة سياحية لا مثيل لها. ولكن لبنان أضاع هذه الفرصة ليس فقط بسبب أوضاع سياسية غير مستقرة وطبقة سياسية فاشلة، بل لأن جزءاً من الشعب اللبناني لا يعي أنه مسوؤل عن هدر كنز سياحي وحيوي وأن المساهمة في تلوث البحر جريمة بحق الشعب اللبناني. إن الأخبار عن وجود مواشٍ من بقر أو غيرها في مياه البحر مزرية. وكم هو مؤلم أن أصحاب المطاعم على شاطئ البحر يلقون بنفايات مطاعمهم في البحر. حتى أن سيدة لبنانية تسبح في البحر أمام منزلها اضطرت يوماً إلى جمع أصحاب هؤلاء المطاعم لتنبيههم إلى ما يرتكبون من جريمة بيئية في تلويث مياه يقال عنها إنها أنظف ما يوجد في لبنان حتى إشعار آخر.

لا شك في أن خطر البحر الملوث هو كبير على صحة من يسبح في مياهه. وعلى رغم هذا التلوث وكل الأخبار عن خطورة السباحة في لبنان على الصحة، فالمنتجعات والنوادي البحرية مليئة بمواطنين متعطشين للسباحة في البحر على رغم التحذيرات، لأنهم تعوّدوا على المجازفة. وعلى الحكومة الجديدة أن تضع في أولوياتها معالجة النفايات وعدم السماح برميها في البحر، وعليها أيضاً أن تضع برامج تعليمية إجبارية في المدارس منذ الصفوف الابتدائية، لتعليم الأولاد حماية بحرهم والحفاظ عليه، على ألا يكون مكباً لنفاياتهم. حماية البحر في لبنان يجب أن تكون أولوية أولاً للبنانيين ثم للشواطئ المجاورة التي قد تنتقل إليها نفايات لبنان. ولكن من سوء حظ البحر المــــتوسط، الذي يعتبر مهداً لحضارات عديدة، أنه يحتاج وفق عدد من علماء البيئة إلى ٨٠ عاماً لتجديد مياهه. ويقول أحدهم إن طبيعته الجغرافية تلعب دوراً أساسياً في استمرار التلوث إذ إنه يكاد يكون مغلقاً، حيث يتصل من خاصرته الشرقية بالبحر الأحمر الذي هو أكثر انغلاقاً وغرباً بالمحيط الأطلسي من مضيق جبل طارق.

وتقارير برنامج الأمم المتحدة للبيئة تشير إلى عبور أكثر من ٢٠٠٠ سفينة منها ٣٠٠ ناقلة نفط في مياهه، وقد رمت فيها أكثر من مليون طن من النفط الخام وأيضاً مئة طن من المــبيدات العضـــوية. البحر المتوسط مريض بيــــئياً ولكن ذروة تلوثه في شواطئ لبنان حيث لا يــــبالي سكان المدن على الشاطئ بحماية البحر. إن مسوؤلية الشعب اللبناني أن يعي مسوؤليته في مكافحة تلويث شاطئه، كما أن على الحكومة والمسؤولين أن يجعلوا أولويتهم تنظيف البحر ومعالجة النفايات ليس في مكبات تذهب إلى البحر بل بمصانع تحويلية لهذه النفايات. فهذا التحدي البيئي هــو في خضم حياة كل لبنان.