كل الأجواء السائدة، تشي بأن أزمة تأليف الحكومة تسير كما وصفها رئيس مجلس النواب نبيه برّي العائد من اجازته، من سيّئ إلى أسوأ، الأمر الذي بات يقتضي، وفقاً لرأيه، دعوة عاجلة إلى مجلس النواب لعقد جلسة طارئة لمناقشة الوضع السائد على صعيد هذه الأزمة واتخاذ الإجراءات اللازمة للحؤول دون تدهور الأوضاع الداخلية إلى ما لا تحمد عقباه.


الرئيس برّي العالِم بالتطورات الحاصلة على صعيد المساعي التي تبذل لتذليل العقبات التي تعترض ولادة الحكومة التي يريد رئيس الجمهورية ان تكون حكومة عهده الأولى، وضع الاصبع على الجرح وقال الأمور كما هي على أرض الواقع ليس بقصد التخويف من نتائج المسار الذي يسير عليه المعنيون مباشرة بتشكيل الحكومة وهما بالتحديد الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية فقط، بل ذهب إلى أبعد من ذلك بكثير ودق ناقوس الخطر بحيث بات يتحتم على أعلى سلطة في الدولة، وهي السلطة التشريعية، وضع الأمور في نصابها الحقيقي، قبل سقوط الهيكل على رؤوس الجميع.


الواضح من هذا التحذير الذي أطلقته أعلى سلطة في البلاد، ان مساعي التأليف اصطدمت بالحائط المسدود، بصرف النظر عن الجهة المسؤولة عمّا وصلت إليه الأمور، وبات الأمر يقتضي تحركاً سريعاً لتدارك السقوط في الهاوية التي سيكون العهد أوّل واكبر المتضررين منها، في حال الاستمرار على النهج المعتمد في إدارة شؤون الحكم القائمة على مبدأ الاستئثار والانقلاب على واقع التركيبة اللبنانية التي حاول اتفاق الطائف تنظيمها بشكل يحافظ فيه على التعددية من ضمن الوحدة, التي تعبّر عنها حكومة وفاق وطني تضم كل الطوائف والقوى السياسية العاملة على الساحة الداخلية.


غير ان لا شيء حتى الساعة يشي بأن العهد على استعداد لتغيير نهجه في إدارة دفة الحكم حتى ولو كان هو في نتيجة الأمر من يدفع الثمن قياساً على التجارب السابقة التي مر بها لبنان مع رؤساء جمهورية اعتمدوا النهج نفسه، بدءاً من بشارة الخوري الذي بثورة بيضاء أطاحت بعهده وبسلطان شقيقه سليم مروراً بكميل شمعون الذي اطاحت به ثورة حمراء بقيادة الجبهة الاشتراكية، وانتهاء باللواء فؤاد شهاب وعهد المكتب الثاني الذي اطاحت به انتفاضة شعبية شاملة رغم اختلافه عن كل الرؤساء الآخرين الذين تعاقبوا على رئاسة الجمهورية منذ ان نال لبنان الاستقلال الناجز بعد الانتداب الفرنسي، الذي دام لأكثر من ثلاثة عقود، ذلك ان مأساة لبنان عبر التاريخ كتبها الرؤساء الاقوياء الذين لم يراعوا طبيعة التركيبة اللبنانية وتعقيداتها، استناداً إلى واقعة الرئيس القوي، وأدت إلى ما أدّت إليه من انقسامات طائفية وحروب داخلية كادت ان تطيح بكل مقومات لبنان، وتحوّله من الدولة النموذجية إلى دول ودويلات ضعيفة متناحرة في ما بينها.


على العهد أن يُدرك مغزى الانذار الذي اطلقه الرئيس برّي ويبادر إلى تغيير اسلوبه في إدارة دفة الحكم، ويتنازل عن طموحاته اللامحدودة، لأنه إذا لم يفعل ذلك سيكون هو الخاسر الأوّل والأكبر.