ما زاد في إصرار فريق الرئيس على تحجيم القوات اللبنانية هو نتائج الإنتخابات النيابية التي كرّست الدكتور جعجع منافساً حقيقياً على الساحة المسيحية
 

مع عودة رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس المكلف سعد الحريري الى بيروت، تتجه الانظار من هذا الاسبوع لما يمكن ان تسفر عنه اعادة تحريك محركات تشكيل الحكومة، من خلال الاتصالات والمشاورات واللقاءات التي من المتوقع ان تتكثف هذا الاسبوع، بعد ان كانت الامور عادت الى ما قبل المربع الاول نتيجة تصاعد حدة المواقف السلبية لا سيما بعد ما اعلنه رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير جبران باسيل منتصف الاسبوع الماضي في حديث تلفزيوني والذي شكل هجوما مباشرا على "القوات اللبنانية"، وما تلاه من نشر القوات وثيقة "تفاهم معراب"، والردود التي صدرت عن الجانبين في هذا الخصوص ، إذن ماهي الفائدة من  إنعاش تفاهم معراب. 

ولا يكفي لتفسير سقوطه التوقف على ما يتكرر في السجال بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، والحديث عن المزاج والكيمياء، والتذكير ليس فقط بما حدث بين الطرفين خلال المرحلة السابقة بل أيضا بالتاريخ الطويل لجوهر العلاقات  بين الزعماء الموارنة. فما أحدثه التفاهم من ارتياح، أقله الى المصالحة، رافقه خوف لدى أكثر من فريق. خوف من إلغاء أو تهميش بيوت سياسية مسيحية تقليدية وأحزاب مسيحية عريقة. وخوف من القوة التي يطلقها التفاهم والدور الجديد لهذه القوة في المعادلة اللبنانية ومدى التأثير على حسابات ومواقف مبنية على الخلافات التي تقلل من وزن المسيحيين وتكرس الخلل في التوازن . لكن الواقع بدا عصيّا على الواقعية، وسط تقدم الأهداف التكتيكية على الرؤية الاستراتيجية.كما إنتهت صلاحية الإتفاق بانتفاء مبرّر وجوده.   

إقرأ أيضًا: جلجلة تشكيل حكومة عهدين

 

كان العماد عون مدركاً للقيود التي يمكن أن يضعها حلفاؤه، لا سيما "حزب الله" على طموحات القوات اللبنانية ومدركاً لقدرته على رفض مطالبها من موقعه كرئيس للجمهورية للحؤول دون إعطائها مساحة لمنافستها كفريق مسيحي أو على مستوى السلطة التنفيذية. ما زاد في إصرار فريق الرئيس على تحجيم القوات اللبنانية هو نتائج الإنتخابات النيابية التي كرّست الدكتور جعجع منافساً حقيقياً على الساحة المسيحية من خلال قانون إنتخابي أراده المنظرون له مبارزة مذهبية. وإذا كان المقصود بإشهار الإتفاق، إظهار عدم التزام التيار الوطني الحر بما سبق أن التزم به، فإنّ مضمونه ساقط من الناحية الوطنية والدستورية، وهو غير قابل للحياة في زمن سقوط كلّ أنظمة الإستئثار الطائفي وتحالف الأقليات على أنواعها في العالم العربي. لا بل وسط صعود متدرج لمشروع اقليمي استراتيجي تدعمه وتعمل له قوى أساسية في لبنان.   

ولعل تفاهم معراب عاش أكثر العمر الطبيعي لبعض التحالفات في لبنان، بصرف النظر عن العمر الذي كان مقدرا له. فهو حقق هدفين سريعين لطرفيه في مرمى رئاسة الجمهورية، إذ فتح طريق قصر بعبدا من جهة، وأغلقها على جهة أخرى. 

وما تحكم به بعد ذلك يشبه آلية الدمية الروسية. والتفاهم سقط على مراحل، من الانتخابات وتحالفاتها الى الحكومة والحصص فيها، لكي تستمر آلية الدمية الروسية، بما يضمن وصول الوريث الى سدة الرئاسة. 

ومن المنطقي ان ينعكس سقوط تفاهم معراب على مجمل اللعبة السياسية، لا فقط على العلاقات بين طرفيه. ومن الوهم الرهان على إضعاف معظم الأطراف لكي يقوى طرف واحد. فماذا لو كانت الألعاب التي تؤخّر تأليف الحكومة مرتبطة بسياسة أبعد بكثير من آلية الدمية الروسية المرتبطة بوصول الوريث؟ وماذا لو اتخذ الرئيس المكلف سعد الحريري قراراً بالاعتذار، وهو العارف ان معادلة السلطة للقوي في طائفته كما هي مطبقة في الرئاستين الأولى والثانية التي تؤكد أن يكون الحريري المرشح الوحيد لتأليف الحكومة؟ 

ثم كيف يمكن ان تدار السياسة في بلد يتم فيه تجاوز الدستور، تحت عنوان الشراكة والمشاركة لا للحفاظ على الميثاقية والحق في التمثيل بل لتعديل الموازين في خدمة المشروع الاقليمي الزاحف على لبنان؟ أي معنى للسياسة والتشاطر السياسي في ظل الكلام عن مخاطر الاوضاع الاقتصادية في البلاد الأفضل، مهما يكن صعبا، البحث عن صيغ تحمي البلد من السقوط والعمل الصادق والجدي لانتاج تفاهمات جديدة.