خلافاً لأيّ نصّ آخر، لا تزال العوامل الداخلية والخارجية تطغى على الاستحقاق الحكومي مؤخِّرةً إنجازَه، على رغم اعتبار البعض أنّ عملية تأليف الحكومة ما تزال في بدايتها ولم تدخل في «الوقت القاتل». إلّا أنّ العوامل الاقتصادية والمالية قد تغلب كلَّ العوامل وتفرض التأليفَ الحكومي، لأنّ البعض بدأ يدقّ ناقوس الخطر محذِّراً من أزمة ماليّة خطِرة تتهدّد لبنان بين الآن ومطلع السنة المقبلة.
 

العوامل الخارجية، في رأي قطبٍ سياسي، لا تبدو ملموسةً وظاهرة إلى الحدّ الذي يُظهر طبيعتها، بما يُسهّل التعاملَ معها لتذليها، ولكن بعض المعنيين بالتأليف يرون أنّ هذه العوامل متأتّية من التنازع السائد بين بعض الأفرقاء الإقليميين الذين يقفون خلف الأفرقاء الداخليين الذين يستعجل بعضُهم التأليف الحكومي لِما فيه مصلحتُه السياسية ومصلحة البلد، فيما البعض الآخر لا يرى ضيراً في تأخُّرِ التأليف الى أن تسود حالٌ تمكّنه من المشاركة في الحكومة بشروط أفضل من الآن.

والواقع أنّ العقَد الداخلية التي تحول دون ولادة الحكومة متعدّدة ومتنوّعة:

ـ العقدة الأولى تتمظهر في الخلاف السائد حول الحصة الوزارية المسيحية عدداً ونوعية بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، إذ إنّ التيار يبالغ في الحصّة التي يريدها ويُحرج بها حلفاءَه من جهة ويَصطدم مع «القوات اللبنانية» خارجاً على «تفاهم معراب» المعقود بينهما والذي يقضي بأن تكون الحصة الوزارية المسيحية مناصَفةً بينهما. وينجم من هذا الصدام حتى الآن خسارةُ «التيار الوطني الحر» سياسياً ومعنوياً من رصيده، في مقابل ربحيةِِ تحقّقها «القوات» وناتجة من مظلومية تحيق بها من جرّاءِ إنكار «التيار الحر» حقَّها بنِصف المقاعد الوزارية المنصوص عنه في «تفاهم معراب» السرّي.

ـ العقدة الثانية أنّ «التيار الحر» يريد الاستحواز على كتلة وزارية من 11 وزيراً من ضِمنها ما سُمّي «حصة» رئيس الجمهورية، فيمتلك بذلك «الثلث المعطل» (أي الثلث زائداً واحداً) بمفرده، الأمر الذي يرفضه حلفاء التيار قبل خصومه، حتى لا يكون مصير الحكومة «تحت رحمته». والرفض نفسُه سيكون بالحدّة ذاتها إذا حاوَل أيّ فريق آخر الاستحواز على هذا «الثلث المعطل» بمفرده.

ـ العقدة الثالثة، تتمثّل في رغبةِ الرئيس المكلّف سعد الحريري الاستحواز على الحصّة الوزارية السنّية (6 وزراء) كاملةً تحت عنوان أنه يمثّل الغالبية السنّية الساحقة، مع انفتاحه على أن يسمّي رئيس الجمهورية أحدَ الوزراء السنّة في مقابل أن يسمّي الحريري وزيراً مسيحياً يكون ضِمن حصته في المقابل. في حين أنّ الوزراء السنّة العشرة الذين لا ينتمون الى تيار «المستقبل»، وليسوا جميعاً من المنتمين الى فريق 8 آذار، يطالبون بتمثيلهم بوزيرَين أو وزير واحد على الأقل، الأمر الذي لم يقبل به الحريري حتى الآن.

ـ العقدة الرابعة تتمثّل بحصّة رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط، حيث إنّ كثيرين يؤيّدون مطلبَه بأن تكون له الحصّة الدرزية كاملة (3 وزراء) وأنه لا يحقّ للنائب طلال ارسلان بوزيرٍ من هؤلاء لأنّ نتيجة الانتخابات النيابية لا تعطيه هذا الحق. في حين يصرّ «التيار الوطني الحر» على توزير ارسلان أو من يمثّله، فيكون عملياً من حصّة تكتل «لبنان القوي».

ويواجه الحريري حراجةً في التعاطي مع العقدتين المسيحية والدرزية، فهو ليس بقادرٍ بعد على إحداث اختراق في «الجدار الباسيلي»، لتمكينِ حليفته «القوات اللبنانية» من حصّتها التي تطالب بها. كما أنه ليس بقادرٍ بعد على تمكين حليفه جنبلاط من المقاعد الوزارية الدرزية الثلاثة. مع العلم أنّ ثمّة من اقترَح على باسيل أن يتمّ تمثيل أرسلان بوزير مسيحي يسمّيه هو، ولكنّ هذا الأمر لم يبتّ به بعد.

ويقول البعض إنّ «القوات» المتمسّكة بأن تكون حصّتها نصفَ الوزراء المسيحيين حسب «اتفاق معراب» تُبدي ليونةً إزاء إمكان القبول بأربعة وزراء فقط من دون أن يكون لها منصبُ نائب رئيس مجلس الوزراء وحقيبة سيادية، وتردّد في هذا الصدد أنّها تلقّت عرضاً بإعطائها وزاراتِ الإعلام والشؤون الاجتماعية والعمل والمهجّرين، فاحتفظت به ولم تبدِ إزاءَه قبولاً أو رفضاً بعد، في انتظار معرفة التركيبة التي سترسو عليها التشكيلة الوزارية.

يُجمع كثيرون على أنّ العقَد الداخلية تتفوّق على العقَد الخارجية في تعطيل التأليف الحكومي، الى درجة أنّ الحريري خرج من زيارته رئيسَ مجلس النواب نبيه بري ليضعَ مصيرَ تأليف الحكومة في يد الأفرقاء السياسيين، فمن يؤلّف الحكومة يا ترى؟