يستمرّ قطب سياسي بالإجابة عن أي سؤال يمكن أن يُوجّه له بالقول "لدى الآخرين". ويسخر أحد المقربين منه "لا تستغربوا إن سئل عن حاله، وأجاب بهذه العبارة". يعمد هذا القطب إلى استعمال العبارة نفسها لتسليط الضوء على ما يسميه "سخرية التشكيل" إذ يصرّ "مخربوا التأليف المتربعين على تلة البلد"، على حد تعبيره، برمي اتهامات العرقلة على غيرهم، واستعمال نفس الجملة، علماً أنهم جزء لا يتجزأ من ملاحم العرقلة التي تحصل في إطار التشكيل الحكومي.

مرّ سبعٌ وأربعون يوماً على مشاورات التكليف التي جرت في بعبدا ونجم عنها تكليف رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري بتشكيل الحكومة. ولم تزحزح 1128 ساعة زهر التأليف من المربع الأول. بل لا تزال العقد التي علقت التشكيل على خشبة المحاصصة تزداد تعقيداً مع تشبّث كل من حزب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر بخياراتهما، وتمسّك رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بالحصة الدرزية كاملةً، وتعنّت الحريري بحرمان سنة 8 آذار من حقهم في التوزير.

إلى ذلك، عادت يوم أمس عجلة التأليف للدوران في حلقتها المفرغة، وبادرت الشخصيات العائدة من سفرات الاستجمام لتجديد الاتصالات واللقاءات لتدوير الزوايا الحادة بين المتنافسين، لكن لا يبدو أن التفاؤل الذي لا يزال يعيش في غبطته الرئيس المكلف سيثمر قريباً وسط جنون عظمة التمثيل الذي ضرب الكتل النيابية. 

وبينما يستمّر البلد بالغرق الاقتصادي منتظراً قشّة التشكيل لتعود به إلى برّ الاستقرار، تستمر الصالونات السياسية والجلسات المغلقة بطرح الحلول. حلولٌ لا يكاد يهمس بها المصلحين حتى تصطدم بفجع السلطة، وتسقطها شهية التوزير مضرجةً بفوقية الأحزاب المتصارعة على الحقائب.

يتساءل أحد السياسيين العاملين على خط التشكيل "لماذا لا يعمد لبنان إلى تشكيل حكومة مصغرة تضع حداً لنهم الأحزاب"؟ ويستشهد بدولة تركيا مثالاً حياً على ذلك "شكّل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حكومة مؤلفة من 16 وزيراً لبلد تبلغ مساحته 783,562 كلم 2، بعد أسبوعين فقط من الانتخابات الرئاسية البرلمانية. أما في لبنان الذي تبلغ مساحته 10452 كلم 2، أي 1.3 في المئة من إجمالي مساحة تركيا، ينحصر الحديث الرسمي بتشكيل حكومة من 30 أو 32 وزيراً، وذلك بعد مرور أكثر من شهرين على الانتخابات النيابية الأخيرة".

وتنقل مصادر مطلعة لـ"ليبانون ديبايت" أن طرح الحكومة المصغرة أو ما يسمى بحكومة الأقطاب، تم طرحه أخيراً في الصالونات المغلقة المولجة تشكيل الحكومة، وقوامه حلاً يأتي في حال وصلت كل الجهود المبذولة لتذليل العقبات أمام التشكيل إلى طريق مسدود.

ويعتمد هذا الحل على صيغة حكومية مؤلفة من 14 وزيراً تضم جميع الكتل والأحزاب الممثلة في مجلس النواب، على أن تُوزع حقيبة لكل من "التيار الوطني الحر، وحزب القوات اللبنانية، وحزب الكتائب اللبنانية، وتيار المردة، وحزب الله، وحركة أمل، وحزب التقدمي الاشتراكي، وحزب الديمقراطي اللبناني، وحزب السوري القومي الاجتماعي، وحزب الطاشناق، وتيار العزم، والمستقلين"، على أن تبقى الحقيبة الـ 14 من حصة رئيس الجمهورية.

ويرى عددٌ لا بأس به من السياسيين في هذه الصيغة حلاً يذلل العقبات، ويخفف من مطالب الأحزاب، ويحدّ من أحلامهم التوسعية. لكن بالكاد سُمعت أصداء هذا الطرح على طاولة المحادثات الحكومية، قبل أن تصطدم بجشع المتنافسين، وشهية خلق التوازنات بما يخدم المصلحة الخاصة، على اعتبار أن هذا الطرح لا يحترم الأحجام التمثيلية التي نتجت عن الانتخابات النيابية ولا يتماشى مع نظرية القوي والأقوى.

لا تغلق المصادر الباب على هذا الطرح بالرغم من عدم إيجاد بيئة حاضنة له بين الكتل المتصارعة، وترى فيه حلّ أمر واقع قد يجد فيه الرئيس المكلف سبيلاً جدياً في حال طال عمر التشكيل وطالت معه أقدام الكتل التي تجاوزت بساط أحجامها التمثيلية بأشواط.