لقد هزمت الجماعات والتنظيمات الإرهابية الطفيلية الممولة من الخارج، أما الثورة فإنها ظلت مقيمة في درعا ولم تنطفئ شعلتها.
 

درعا وهي عاصمة الثورة تقع الآن تحت القصف. هناك سوء فهم عصي على التفسير سيؤدي إلى تدمير المدينة التي ينبغي على كل السوريين أن يحافظوا عليها انطلاقا من قيمتها الرمزية. منها انطلقت شرارة الاحتجاج السلمي عام 2011.

لا أحد في إمكانه أن يجزم أن درعا كانت تخطط لقيام حرب، تبقيها وهي القريبة من دمشق في منأى عن التدمير الذي لم تنج منه بقعة من سوريا.

ليست درعا مدينة استثنائية. لقد قُدّرَ لها أن تكون في الواجهة بسبب حدث، كان من الممكن أن يمر خفيفا من غير أن يُرى لو أن الحكومة السورية تعاملت مع ما شهدته المنطقة من تحولات انقلابية بمزاج مختلف عن مزاج حزب البعث الذي يتميز بتعاليه وغروره واحتقاره للشعب.

لم تكن مسألة درعا كبيرة إلى الدرجة التي يمكن أن تؤدي إلى قيام حرب. كان الجرح يومها عائليا، وكان في إمكان بشار الأسد، باعتباره رب الأسرة انطلاقا من بنية الحكم في سوريا، أن يعالجه وهو الذي درس الطب، غير أن شيئا من ذلك لم يقع.

هناك مَن يكره درعا باعتبارها علامة شؤم تشير إلى بدء زمن الحرب.

هناك مَن يحبها، كونها البذرة التي انبعثت منها شجرة الثورة المغدورة.

في الحالتين فإن درعا اليوم وبعد أكثر من سبع سنوات عصيبة هي غير درعا التي يعرفها أهل حوران، مدينة وديعة قبل أن تشتعل في قلوب أبنائها نار المقاومة لترفعها إلى سماء المدن الخالدة.

وقد يبدو غريبا أن عصيان وتمرد عاصمة الثورة واستقلالها الذاتي لم تشكل عنصر استفزاز وتحد للحكومة السورية التي اكتفت بالنظر إلى ما يجري في المدينة بحذر كما لو أن كل شيء فيها كان تحت السيطرة.

وكما يبدو فإن المدينة التي شهدت ولادة أول تنظيمات الجيش الحر، ظلت حريصة على أن لا تسمح للجماعات والتنظيمات المسلحة التي لم يُعرف لها أصل ولا فصل بالدخول إليها. بالرغم من أن شح المعلومات الواردة من داخل المدينة يجعل من الصعب التمييز بين الحقائق والتكهنات.

الواقع يقول إن المدينة صمدت عبر سبع سنوات ولم تلتحق بالأرض الخراب لأن أحدا من داخلها أو خارجها لم يكن يرغب في دمارها.

وإذا ما وضعنا درس الغوطة الشرقية ومدينة دوما بالتحديد نصب أعيننا، فإن درعا التي نجت من ويلات الحرب ينبغي أن تكون مدينة مفتوحة. يدخلها الجيش السوري بأمان، من غير حاجة إلى غارات جوية وقصف أرضي وعمليات قتال ستؤدي بالتأكيد إلى قتل المدنيين.

فما لم تقو عليه دوما التي كانت مدججة بالسلاح لن تقوى عليه درعا. وعلى المستوى الرمزي فإن عاصمة الثورة ينبغي أن لا تُمحى وأن لا يُباد أهلها بسبب سوء تقدير من قبل الثوار، يدفع بهم إلى التصرف بأسلوب يفتقر إلى الشعور بالمسؤولية التاريخية.

ليس ضروريا أن تتحول أيقونة الثورة إلى مدينة شهيدة. من حسن حظها أنها لم تكن رهينة. لذلك ينبغي أن لا يتحول أهلها إلى رهائن.

كل المعطيات المحلية والإقليمية والعالمية تؤكد أن الثورة قد هُزمت. قناعة ليست جديدة، بل إن عددا كبيرا من السوريين يتداولونها منذ سنوات. لقد هُزمت الثورة من داخلها قبل أن تُهزم عسكريا. وقد يستغرب البعض قولنا إن ما هُزم في الحرب هو شيء آخر غير الثورة.

لقد هُزمت الجماعات والتنظيمات الإرهابية الطفيلية الممولة من الخارج، أما الثورة فإنها ظلت مقيمة في درعا ولم تنطفئ شعلتها.

وكما أتوقع فإن الحكومة السورية بعد كل ما شهدته البلاد من كوارث إنسانية ومادية ستكون حذرة في مسألة درعا التي لن يكون فتحها بالقوة عسيرا. الحكومة السورية، مثل معارضيها، تدرك أن لدرعا موقعا رمزيا في قلوب السوريين كلهم.

عاصمة الثورة يجب أن تسلم من الكراهية وغباء الانتقام.