شركة فيسبوك تحاول تطوير قدرتها على فحص الحقائق من خلال توظيف مختصين في نشر الأخبار والتعاون مع مجموعات منها أسوشيتد بريس للتحقق من الأخبار الكاذبة.
 

ينهمك جريج مارا، مدير إدارة المنتجات لدى فيسبوك، هذه الأيام في تعقب “الأشرار” الذين يعملون على نشر الأخبار الكاذبة بشكل محموم، في نسخة إلكترونية من لعبة القط والفأر، ومن ثم يحاول إغلاق حساباتهم، بعد أن كان يقضي معظم وقته في تحديد كيف يمكنه جعل شريط الأخبار في الموقع أكثر جاذبية.

وقال مارا أمام جمهور خلال “مهرجان أفكار آسبن” الأسبوع الماضي “هذا الفعل موجه ضد الخصوم الذين يحاولون اختراق خطوط دفاعاتنا”، وأضاف “يتحتم علينا محاربة الأشرار… الأشرار أشخاص مبدعون، لكننا نؤمن إيمانا عميقا بما نفعله وبالمعركة التي نخوضها”.

في حقيقة الأمر أن تعرض فيسبوك لفضيحة كبرى زعزعت مكانتها في وقت سابق من هذا العام، كان أحد الأسباب الرئيسية في تكثيف الشركة لتحركاتها في الحرب ضد الأخبار الكاذبة، إذ أن شركة تحليلات البيانات “كامبريدج أناليتيكا” التي جمعت الملايين من ملفات فيسبوك التعريفية لاستهداف ناخبين محددين بأخبار وهمية، تسببت في تعرض فيسبوك لتحقيق من قبل ما لا يقل عن أربع وكالات تنظيمية أميركية، وهو أمر لم تساعد استجابة فيسبوك المتأخرة على حله.

وبدأت فيسبوك مؤخرا في التصدي والرد، لكن لم يقبل المسؤولون التنفيذيون في الشركة حتى الآن المسؤولية عما يظهر عبر منصتهم، ولم يتطوعوا بعد بتعريض أنفسهم لأنظمة أكثر صرامة، لكنهم يحاولون أن يكونوا أكثر شفافية قليلا. ووفقا لما ذكره تقرير جيليان تيت في صحيفة فايننشال تايمز، ظهر مارا وزملاؤه في فيسبوك من خلال آسبن للتحدث حول قتالهم ضد “الأشرار”.

ويقول مارا وكامبل براون، الرئيسة العالمية لشراكات الأخبار في فيسبوك (وهي مذيعة أخبار سابقة)، إن إحدى الطرق التي تستطيع الشركة من خلالها الانخراط في هذه الحرب هي عبر إعادة تكليف العشرات من المهندسين بإنجاز هذه المهمة، حيث يعمل البعض من أفضل المبرمجين في الشركة على تطوير أدوات لتعقب الأخبار الكاذبة والقضاء عليها.

فمثلا، في الأسبوع الماضي فقط، استحوذت فيسبوك على شركة بلومزبيري الناشئة للذكاء الاصطناعي ومقرها في لندن، وهي الشركة التي طورت ذكاء اصطناعيا يستطيع “قراءة الوثائق النصية والإجابة عن الأسئلة المتعلقة بمحتواها”.

وتحاول الشركة أيضا تطوير قدرتها على فحص الحقائق من خلال توظيف “مختصين في نشر الأخبار”، والتعاون مع مجموعات مثل “أسوشيتد بريس”، و”فاكت تشيك دوت أورغ”، و”بوليتي فاكت”، للتحقق من الأخبار الكاذبة.

وعندما يتم الكشف عن هذه الأخبار، إما أن يعمل المهندسون على إزالتها نهائيا وإما يحاولون الحد من انتشارها من خلال إعلام المستخدمين بأنها أخبار كاذبة. وقال مارا “بمجرد أن يتم التحقق من أحد المواضيع، يمكننا تقليل مشاهدة الأخبار الكاذبة بنسبة تصل إلى 80 في المئة”.

وتبدو هذه الإجراءات جيدة، لكن هنالك الكثير من المشكلات. فليس من السهل دائما تحديد ما هو كاذب، أو إزالة المنشورات السياسية دون أن تظهر بمظهر من ينخرط في عملية رقابة. ومن الصعب أيضا التحقق من صحة الأخبار بشكل سريع بما فيه الكفاية، قبل انتشارها.

ورغم ثقة مارا، ليس من السهل دائما إقناع المستخدمين بالتوقف عن قراءة الأخبار الكاذبة؛ فعندما بدأت فيسبوك في إرفاق إشارات “خبر مثير للجدل” مع بعض المقالات العام الماضي، وجدت أنها في الواقع عززت محتوى الخبر، وبالتالي تخلصت منها الشركة.

وكان التعاون مع مجموعات التحقق من البيانات المستقلة أمرا صعبا أيضا، فقد ذكر تقرير أعده مايك أناني لمركز تو للصحافة الرقمية أن “فيسبوك ومنظمات الأخبار يرغبان في تحسين نوعية وسائل الإعلام عبر الإنترنت، لكن هناك صراعا جاريا داخل الشراكة يتعلق بتعريف ’الأخبار الكاذبة‘ بطريقة لا تُبقي لفيسبوك معظم سلطة التصنيف”، حتى مع استمرار نفي عملاق التواصل الاجتماعي أنها دار نشر.

وذكر أناني أن مجموعات للتحقق من الأخبار أبلغته أنها تشعر بالإحباط كونها لم تكن تعلم بالضبط الآلية التي تستخدمها فيسبوك في التعامل مع تلك التحقيقات، وأعربت عن “استيائها العام من الترتيبات التي كان الكثير منها مبهما وغير خاضع للمساءلة”.

وبرز موضوع آخر أكثر إثارة للاستغراب، وهو مصدر الأخبار الكاذبة نفسه. يمكن أن يفترض معظم الناس أن هذه الأخبار تأتي في الغالب من جماعات سياسية أو حكومات شريرة، لكن من رأي مارا أن هذا غير صحيح.

ويقول إن “90 في المئة من الأخبار الكاذبة مدفوعة بحوافز مالية”، بمعنى أنها من هيئات تجارية تستخدم قصصا بذيئة حتى تدفع الناس إلى النقر على الوصلات الإعلانية الموجودة على المواقع، مثل المواقع التي تبيع حبوب تخفيف الوزن.

ويفيد مارا قائلا “كل ما يريده هؤلاء الأشرار هو نقرة على الموضوع، فهم يريدون المال الذي يأتيهم من الإعلانات، وتعتمد حوافزهم على النقر على شريط الأخبار على موقعهم، وبالتالي ينشئون عناوين رئيسة مثيرة”.