لا يبدو أن من سقوط تفاهم معراب وانتهاء التهدئة الإعلامية بين حزب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، أن الأمور ذاهبة إلى الحلّ. يقولها رئيس القوات سمير جعجع صراحة: "الوضع صعب في الوقت الحاضر، وعلينا أن نعمل لكي نتخلص من هذه الحال المزرية. وبجهود السياسيين المتعاونة نستطيع أن نتخلص من هذه المحنة". يعني هذا الكلام أن الساحة المسيحية عادت إلى ما قبل تفاهم معراب. ولكن هذه المرّة، بما هو أسوأ من السابق. قبل التفاهم، كان لكل من القوات والتيار حلفاء على الساحة المسيحية. أما اليوم فالجميع انفض من حولهما.

حين وقّع تفاهم معراب، ذهب طرفاه إلى إلغاء كل القوى المسيحية الأخرى. أراد التيار الالتفاف على ترشيح النائب السابق سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية. التقى الهدف مع القوات، فكان التقارب الذي دعم ميشال عون للرئاسة الأولى. في المقابل، استندت معراب على هذا الاتفاق لإلغاء كل ما يسمى بالمسيحيين المستقلين، الذين وصفتهم بأنهم بلاطعم أو رائحة، داعية إياهم إلى الالتحاق بأحد الحزبين الكبيرين على الساحة المسيحية.

حتى التفاهم في متن نصوصه وبنوده، وفي الفقرات المتعلّقة بتقاسم المناصب والمواقع والتعيينات بين الطرفين، أسس عملياً لثنائية مسيحية، تريد إلغاء كل القوى الأخرى. وعلى الرغم من أن إحدى الفقرات ذيّلت بعبارة أن يراعي الطرفان مصالح حلفائهما من خارج التفاهم، لم يطبّق في أكثر من محطّة، لا في التعيينات ولا في الانتخابات البلدية أو النيابية، ولا في الاستحقاقات النقابية. في الإنتخابات النيابية، ذهب الطرفان إلى البحث عن "زعامات" محلية، أو شخصيات مستقلة لها تأثيرها المناطقي للتحالف معها بعد سقوط إمكانية التحالف بينهما. ما دفع الطرفين إلى إبرام تحالفات موضعية، وآنية، لم تبن على أساس مراجعة نقدية للحالة الإلغائية التي أريد للتفاهم تكريسها.

اليوم، تنقلب الآية، كل طرف يبحث عن تعزيز تفاهماته المسيحية من خارج هذا التفاهم. الجرّة مكسورة بين التيار والمردة. بالتالي، لا تزال خيارات التيار ضعيفة إزاء استعادة التحالف مع فرنجية. في المقابل، جهد رئيس الجمهورية لمحاولة استقطاب حزب الكتائب إلى جانبه عبر تعزيز العلاقة معه ومنحه مقعداً وزارياً. الأمر نفسه تحاول معراب تطبيقه. وللغاية كان قد عقد عشاء بين جعجع والنائب سامي الجميل قبل نحو أسبوع، جرى خلاله البحث في تعزيز سبل التوافق والتلاقي.

وفيما يستمر الاشتباك بين الطرفين، وتستمر حملة تقاذف الاتهامات، هناك من يراهن على بوادر تهدئة، قد تقودها بكركي، أو رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بعد عودته من الخارج. وقد يقدّم الحريري صيغة تشكيلة حكومية جديدة لرئيس الجمهورية، لعلها تنقل النقاش من السجال بشأن تفاهم معراب، إلى الحصص مجدداً. ما يخفف التوتر في الشارع المسيحي. وتستعد بكركي للاضطلاع بدور تهدوي، من خلال توجيه البطريرك بشارة الراعي دعوات لوزراء ونواب وقياديين من الطرفين لعقد لقاءات في الصرح البطريركي، بهدف سحب فتيل الأزمة والتوتر والتصعيد، والعودة إلى لغة الحوار، لأن ما يجري على الساحة المسيحية أمر لا يمكن القبول به، ولا يمكن العودة إلى الفترات السابقة.

وهنا، يبرز موقف هادئ للنائب آلان عون الذي يقول إن "التفاهم يحتاج إلى إعادة صيانة وترميم في المرحلة المقبلة. وهو أمر مرتبط بالنوايا"، لافتاً إلى أن هذا التفاهم هو في حال من التراجع، ونكون في حالة تملق إذا قلنا إنه بألف خير. ويعتبر أن الموضوع مع القوات ليس اختلافاً في وجهات النظر، بل ذهاب إلى الحد من الحملات والاتهامات التي طاولت فريقنا السياسي. وهذا لا يمكن أن يصدر عن فريق متفاهم ومتحالف معنا".

ويعتبر آلان عون أن أساس تفاهم معراب هو سياسي، أي تأييد القوات رئيس الجمهورية، وأن تكون من فريقه السياسي، ومن ثم ندخل إلى منطق الحصص، لا أن تختار القوات منه الشق الذي يناسبها وترمي الباقي. ويرى أن القوات خرجت من فريق الرئيس ولم يعد في امكانها الاحتفاظ بالحصص وتخرج من السياسة لأنهما مساران متلازمان.

في المقابل، يؤكد وزير الشؤون الاجتماعية بيار أبو عاصي أن "تفاهم معراب ينص على دعم العهد، أي رئيس الجمهورية، وليس دعم التيار الوطني الحر في كل مواقفه. ويجب الفصل بين رئيس البلاد وبين تيار سياسي. ولا يمكن للقوات أن تسكت عن بعض التجاوزات، تحت أي ذريعة. أما الردّ على هجمات التيار واتهاماته للقوات فلا يدخل في إطار مواجهة رئيس الجمهورية. وعلى التيار أن يحدد إذا ما كان الرئيس رئيساً لكل اللبنانيين أم أنه طرف سياسي".