ليست المشكلة الراهنة التي يواجهها البلد هي مشكلة تأليف حكومة. طال أمد المطاف أو قصُر، ستكون هناك حكومة، ولن يكون هناك حكومة تختلف جوهرياً وفي تركيبتها عن الحكومة المتحوّلة الى تصريف الاعمال بعد الانتخابات.

في نهاية الامر لا تعبّر التوترات الحالية، رغم صخبها، عن تصادم حقيقي يعيشه البلد بين خيارات متجابهة، بقدر ما تعبّر عن إرهاق عام لشتى الخيارات، وإرهاق اقتصادي جسيم أيضاً، وهذا يحكم على هذه التوترات بسقف معيّن، باستلحاق في أمد معيّن للمرجحة الحالية، لهذه الدراما التي نعيشها منذ انتهاء الانتخابات.

لكنها ليست هنا في نهاية المطاف المشكلة. أين المشكلة؟ هي ليست فقط مشكلة تأليف حكومة، وليست مباشرة مشكلة انسداد نظام. انها، بالشكل الذي يتبدّى حالياً، من خلال ترنّح ما عُرف باتفاق معراب، مشكلة في طبيعة التفاهمات السياسية في مرحلة ما بعد ثنائية 8 و14 آذار.

صحيح ان من طبيعة اي تقارب سياسي، تفاهمي او تحالفي، ان يكون له أمد زمني لا يدوم الى ما لا نهاية، وليس من جديد من هذه الناحية، لو اقتصرت الامور على هذه الزاوية. وصحيح ان الخصومة والصداقة من المعايير الاساسية للحياة السياسية، ويمكن لاي خصومة ان تعقبها صداقة او تلاقٍ، او العكس، وهنا ايضاً ليس هناك ما يقال. انما، المشكلة تبدأ من عيش علاقات التقارب والتباعد طول الوقت كعلاقات عاطفية، وتحوّل المشكلات من ثم الى مشكلات عاطفية، بحيث تتحول التفاهمات السياسية الى زيجات عارضة وخاطفة، ثم تتحول بعد فترة الى زيجات متعثّرة، وتتقاطع في الواقع السياسي الحالي مجموعة من الزيجات المتعثرة.

تركة 14 آذار مثلاً تحوّلت الى زيجات متعثرة. تفاهم مار مخايل، رغم كل توجيه معاكس، تظهر معالمه اليوم كزيجة متعثّرة. تفاهم معراب ايضاً زيجة متعثّرة، وهكذا.

يجري البحث عن خارطة طريق لتشكيل حكومة، ليس في طريقة متعرجة ما بين تكتلات متخاصمة، بين مواقع محددة سياسياً بشكل منهجي في وجه بعضها البعض. بل يجري البحث عن خارطة الطريق هذه وسط مجموعة من الزيجات المتعثرة والمتقاطعة. كل منها لا تزال موجودة بشكل طيفي وجزئي، وأكل عليها الدهر وشرب في نفس الوقت. كل منها يصعب عليها تجاوز نفسها.

أمسى البلد، على الصعيد السياسي، ورشة هائلة من المكابدات العاطفية، ومن قوى يصعب عليها في نفس الوقت تطوير التفاهمات، خصوصاً تلك المصاغة بأدبيات مكرّسة لها، كما يصعب عليها الحسم والانتقال بوضوح من اطار تحالفي معيّن الى اطار تحالفي آخر، لا يشذ عن ذلك سوى التفاهم الشامل بين "حزب الله" وحركة "أمل". أما خارج الثنائي الشيعي، فالبلد سياسياً مجموعة زيجات متعثّرة، ليس بالمقدور على ما يبدو عيش أي منها مجدداً، وشطب أي منها تماماً ليس أيضاً في المستطاع.

تبقى الزيجة المتعثّرة التي اسمها تفاهم معراب الأكثر تكثيفاً لحالة كل الزيجات المتعثّرة السياسية المتقاطعة القائمة حالياً. لكنها ليست لوحدها، ومشكلتها الكبرى انها تجسّد نموذجاً، نموذجاً بدل الاعتبار منه وتجاوزه، هو مرشح ليكون أكثر فأكثر السمة الصميمة للعلاقات السياسية. وهذا، في أقلّ تقدير، يتجاوز خطره الإطار المؤقت البحت المتعلّق بالأسابيع الإضافية التي تفصلنا عن تشكيل حكومة.