عشية التحضير لتشكيل الحكومة الجديدة، تصطدم المشاريع السياسية بعضها ببعض، بدءا من الخلاف المسيحي الذي يتنامى ويزداد تعقيدا، وصولا الى المواجهة المفتوحة بين وليد جنبلاط والعهد على الحصة الدرزية، وما بين ذلك معركة الصلاحيات التي يخوضها الرئيس المكلف سعد الحريري بدعم من رؤساء الحكومات السابقين.
 

لم يعد خافيا على أحد أن التيار الوطني الحر يسعى من خلال حصته وحصة رئيس الجمهورية الى الحصول على ″الثلث الضامن″ الذي يجعل رئيسه جبران باسيل يُمسك بزمام مجلس الوزراء، ويسلب رئيس الحكومة مفتاح السراي الكبيرة، في حين أن القوات اللبنانية تتطلع الى ترجمة الدعم السعودي لها، بالحصول على حصة وازنة تترجم نتائج الانتخابات النيابية، وتفاهم معراب على حد سواء.

وما بين التيار والقوات “نشر غسيل” وكشف وثائق وتسريب رسائل، وإتهامات متبادلة مرة بالخيانة، ومرة أخرى بنقض العهود، وبعدم تطبيق بنود تفاهم معراب.. وما بين جنبلاط والعهد تصريحات وتلميحات وتغريدات تؤشر الى حجم الصراع على الحصة الدرزية الجنبلاطية الكاملة في الحكومة من جهة، وعلى ترجمة إلتزام باسيل مع النائب طلال أرسلان من جهة ثانية.. أما الرئيس المكلف سعد الحريري فيسعى الى تحصين نفسه من ″الغارات″ التي يتعرض لها بين الحين والآخر لانتزاع بعضا من صلاحيات رئيس الحكومة من خلال فرض أعراف جديدة من شأنها أن تضعفه وتجعله رهينة لدى القوى الأخرى.

لا يختلف إثنان على أنه بالرغم من تنامي الصراعات والخلافات والتجاذبات بين الأطراف السياسية الأخرى، إلا أن الكل ما تزال عينه على صلاحيات رئيس الحكومة التي كرّسها دستور الطائف، ولم تتوان هذه الأطراف منذ تكليف الرئيس الحريري عن محاولاتها لتضخيم ما تسميه ″العقدة السنية″ الى جانب العقدتين المسيحية والدرزية، وذلك بهدف إرباك وإضعاف الرئيس المكلف، بما في ذلك التلميح ومن ثم التصريح بإمكانية سحب التكليف منه في حال تأخر في تشكيل الحكومة أو عجز عن ذلك.

أمام هذا الواقع، وبحسب كل المعطيات، فقد شكل الرئيس نجيب ميقاتي عقبة أساسية في مسيرة إستضعاف الرئيس سعد الحريري، وهو أي ميقاتي يدرك تماما أن الصراع بالأساس هو على صلاحيات رئيس الحكومة، وأن ثمة محاولات تجري لفرض أعراف جديدة تعيد لرئيس الجمهورية بعض ما خسره من صلاحيات على حساب رئيس السلطة التنفيذية.

لذلك، فقد جاءت مشاركة ميقاتي في إجتماع رؤساء الحكومات في بيت الوسط، من منطلق حرصه على موقع رئاسة الحكومة، وتحصينها وحماية صلاحياتها، وعلى سحب فتيل التفجير السني ـ السني، الذي ما تزال بعض الأطراف تعوّل عليه، وذلك مع تمسكه الكامل بضرورة تمثيل كتلة ″الوسط المستقل″ في الحكومة، وبعدم تغييب حضور أي مكون من المكونات السنية، لا سيما نواب المعارضة كل بحسب حجمة وتمثيله.

يمكن القول أن ميقاتي من خلال تعاطيه السياسي الراقي مع مسألة تشكيل الحكومة عموما، ومع الرئيس المكلف على وجه الخصوص، قدم نموذجا مغايرا تماما عن أولئك الذين يخاصمون في السياسة، ويتحيّنون الفرص للانقضاض على خصومهم من دون التفكير بتداعيات أو بانعكاسات ذلك على الموقع الذي يمثلونه، حيث ما يزال يذكر كثيرون كيف أن الرئيس فؤاد السنيورة وفي لحظة إغتيال الشهيد اللواء وسام الحسن عمد الى تحريض الناس على إسقاط الحكومة الميقاتية، ما أعطى الاعلامي نديم قطيش ذريعة بعد إنتهاء الجنازة لدفع المشاركين الى إقتحام السراي الحكومي من دون النظر الى رمزية الموقع وهيبة المكان، ما شكل في حينها سابقة خطيرة أساءت الى تيار المستقبل بالدرجة الأولى، ومن ثم الى موقع رئاسة الحكومة.

اليوم لا يوجد إقتحام ميداني لمقر رئاسة الحكومة، وإنما هناك إقتحام من نوع آخر وربما يكون أخطر، من شأنه أن يقلص الصلاحيات وأن يُضعف الكرسي الثالثة، من خلال الأعراف وليس النصوص، وهذا الأمر أدركه ميقاتي الذي نظر الى المشهد العام برمته، وسارع الى سحب كل الذرائع التي قد تؤدي الى إلحاق أي أذى بصلاحيات وبهيبة وحضور رئيس الحكومة، فوقف الى جانب سعد الحريري، بغض النظر عن كل الشوائب التي رافقت آداء تيار المستقبل في الانتخابات، لأن العام لدى ميقاتي يتقدم على الخاص، ويبقى هو الأساس للحفاظ على الطائف والدستور والمواقع.