تمتلك مدينة صور المقوّمات الكافية لتزعّم عرش السياحة في لبنان ، فلماذا تظلمها الدولة اللبنانية؟
 

 

مدينة صور في جنوب لبنان ، المدينة الفينيقية التي صمدت أمام هجمات الإسكندر المقدوني ( غازي العالم ) والتي أبت أن تستسلم وفضّلت الموت والدمار على الذل أو الإنصياع للقوّة وحكم السيف.

هي المدينة الساحلية وملكة البحار التي يُحيط بها البحر من معظم جوانبها ، فيعانقها ويُعطيها رونقاً خاصاً .

ففي صور ، ستجد كل شيء ، الطبيعة الساحرة والبناء القديم والحداثة والحضارة  والعراقة والآثار والبحر والمحال والمؤسسات التجارية ، بفضل جهود أبنائها ونضالهم وذوقهم الرفيع ، ولن تجد حساسية إذا ما كنت من خارج المدينة أن تدخل إليها وتتجوّل في أزقتها دون أي إعتراض من أحد ، فالحوادث الأمنية في المدينة صفر ويمكن لأي زائر أن يتجوّل داخلها حتى في الساعات المتأخرة من الليل.

أما التعايش بين أبنائها فهو أنموذج حيّ عن لقاء الإنسان بأخيه الإنسان دون حواجز مذهبية أو مناطقية ، فحارات صور القديمة وتداخلها مع مناطق أخرى داخل المدينة تشكّل صورة مُصغّرة عن لبنان بجناحيه المسيحي والمسلم ، القديم والحديث. 

مع هذا تتعرّض المدينة لظلم كبير وقاسي من الدولة اللبنانية ومن وزارة السياحة بشكل خاص ، فهي لم تضعها بعد على الخارطة السياحية اللبنانية ، ما جعل ناشطين في صفحة " Tyre City Page " وشركة " صور فالي باركنغ" وبدعم من شخصيات مشهورة وفنانين يُطلقون هاشتاغ :"# صور_مدينة_سياحية " للإضاءة على جمال المدينة وسحرها .

لكن هل تستحق صور فعلاً أن تكون مدينة سياحية ؟

صور هذه المدينة التي تجمع التناقضات الثقافية والدينية والإجتماعية تستحق بالطبع الأفضل ، فهي مدينة متنوّعة بثقافتها ، حيث ترى فيها فتاة  منقبّة وأخرى بالمايوه على نفس الشاطىء ولا أحد يعترض ، وكل دعوات التطرّف والتزمّت تُواجه بالرفض من قبل أبناء المدينة .

وهي مدينة الفقير والغني ، التي تستوعب كل الناس في لوحة إنسانية يعجز عن رسمها فنانّو العالم. 

لذلك تمتلك المدينة المقوّمات الكافية لأن تكون مدينة سياحية بل أفضل مدينة سياحية في لبنان .

وهذه المقوّمات هي التالية :

١- الطبيعة الخلاّبة والشاطىء الكبير والمفتوح للعامة من دون عوائق إسمنتية (صخري ورملي) ، ويتميّز هذا الشاطىء بنظافته حيث يُمكن بسهولة ملاحظة قعره ، ويُنظّم في صور كل عام حملات تنظيف للشاطىء قبل الموسم الصيفي .

٢- المدينة هي قضاء إداري ومركز محافظة  لبنان الجنوبي. 

٣- المدينة تقع  على خط ساحلي يشملها خط مواصلات سريع يربطها بالحدود الدولية ومركز العاصمة بيروت ( تبعد عن بيروت حوالي ٨٥كلم).

٤- صور مليئة بالآثار والمناطق التراثية .

٥- تمتلك صور شبكة مهمة من المؤسسات التجارية والمحال والفنادق التي تستوعب عدد كبير  من السياح , إضافة إلى المطاعم  والمرافق السياحية الأخرى .

٦- المدينة تتقبّل كافة الزوار من مختلف المناطق والأديان والثقافات والجنسيات .

٧- يوجد فيها مرفأ وأسواق تجارية مهمّة ومؤسّسات ثقافية وتربوية ويُنظّم فيها مهرجانات وحفلات فنيّة .

٨- الأمن والأمان موجودان في المدينة .

٩- يدخل ويخرج من وإلى المدينة الآلاف من الناس يومياً.

١٠- سهولة وسرعة التنقل داخل المدينة بوقت قصير.

وغيرها العديد من الأسباب الكافية والطبيعية لأن تكون جوهرة الساحل والسياحة في لبنان .

 

إقرأ أيضا : صور تستحق تصنيفها مدينة سياحية

 

 

لكن رغم ذلك ، لم تُعرها الدولة اللبنانية الإهتمام الكافي ولا زالت مقصّرة كثيراً في حقّها ، وها هي اليوم تتعرّض لحملات تهويل وتشويه مبالغ فيه للحقائق .

حيث تناقلت وسائل الإعلام اللبنانية في الأسبوع الأخير معلومات عن تلوّث مياه البحر في لبنان ، وشملت من ضمنها بحر صور .

ولا شكّ أن التلوّث في بحر لبنان هو أمر واقع لا نقاش فيه ، لكن ماذا عن التوقيت والتصنيفات ؟

هل بحر صور ملوّث لهذه الدرجة التي ذكرتها التقارير ؟ ولماذا التصويب على المدينة في هذا الوقت ؟

من يذهب إلى شاطىء صور يرى بأمّ العين أن التقارير ظلمتها ، وأن مياه البحر فيها ليست ملوّثة كما ذُكر ، بل إن البلدية تقوم بحملات تنظيف يومية ( وهي مطالبة بالتطوير المستمر وبالعمل أكثر ).

لذلك ، فالمدينة مؤهلة لتزعّم عرش السياحة في لبنان ، وغير هذا الكلام تفضحه الصور والمشاهدات الحيّة.

لكن المُضحك المبكي في الأمر ، أن المدينة لفتت أنظار قناة CNN الأميركية ، أقوى وكالة أخبار في العالم ، وأعدّت تقريراً خاصاً عن صور  العام الماضي بعنوان :" هل مدينة صور هي جوهرة البحر الأبيض المتوسط المخفية؟"

التقرير تحدّث عن مزايا " ملكة البحار " وإعتبرها مدينة مُنافسة لأهم المناطق السياحية مثل اليونان وتركيا الغربية ، وتناول مزايا الشاطىء فيها والحياة العصرية والخلاّبة.

ورغم أهمية التقرير وإهتمام الغرب ، لم تتحرّك الدولة اللبنانية للإستفادة من هذه النعمة ، بل أن هناك عقلية معيّنة في لبنان مُصرّة على تجاهل الموضوع .

لذلك ، يمكن لمدينة صور أن تكون متصالحة مع نفسها وواثقة أيضاً ، فهي قد نالت وسام الشرف من أعلى قناة إخبارية في العالم ، وإن كان ظلم ذوي القربى أشدّ مضاضة على المرء من وقع الحسام المهنّد. 

وتبقى مدينة صور بطلة المدن والكلام عليها ما له نهاية كما قال الراحل سعيد عقل.