ينتظر سالكو أوتوستراد المتن الساحلي تاريخ شباط 2019، علّه يحمل لهم «الفَرَج». لكن يتخوّف كثيرون من أن يكون هذا الموعد المُحدَّد لانتهاء أشغال جسر جل الديب عـ»اللبناني». من السادسة صباحاً حتى السادسة مساءً تتمّ الأشغال، فلماذا لا تعمل الجهةُ المُنفِّذة 24 ساعة يومياً لإنجاز المشروع قبل هذا التاريخ رحمةً بالمواطن، خصوصاً أنّ الزحمة على أوتوستراد ضبيه - جل الديب قابلة للازدياد «أيضاً وأيضاً»، فلكلّ موسم في لبنان «زحمة خاصة»، تُزاد إليها زحمةُ الأشغال. فمتى سيتنبّه المسؤولون ويتصرّف المعنيّون؟
 

«بِتموت قبل ما توصل عنهر الموت»، هذا ما تقوله وجوه السائقين المُحتجزين داخل سياراتهم على الأوتوستراد من وسط بيروت إلى كازينو لبنان – غزير، وخصوصاً بين نهر الموت ونهر الكلب، في الاتّجاهين.

إذا «حظّك حلو»، تُنبئك اللوحة الإلكترونية الإرشادية عند نفق نهر الكلب، أنّ زحمة السير «كثيفة» من النقاش أو انطلياس وصولاً إلى نهر الموت، فيما قد تبدأ الزحمةُ من ضبيه أو جسر الرويال أو حتى من نهر الكلب، فتَعلق لساعةٍ من الوقت في مساحة لا تتعدّى كيلومتراتٍ قليلة، مُزدحمة بالسيارات وبمواطنين أنهكتهم زحمةُ السير الخانقة، التي تتفرّع تداعياتُها السلبية على اللبنانيين وعلى الدولة، إلّا أنّ «الرعيان بوادي والقطعان بوادي».

وفي الأشهر الأولى من السنة الحالية أضيف على «العجقة عجقة». فبعد أن «عَلَّت» دولة «اللاتخطيط واللاتنظيم» منذ عام 2011 لاتّخاذ قرار إنشاء جسر جل الديب بعد إزالة الجسر الحديدي الذي كان قائماً سابقاً بسبب خطر انهياره، بدأ العمل لإنشاء الجسر في آب 2017، وزادت الزحمة مع بدء مرحلة أخرى من العمل في شباط 2018.

وكأنّ قاعدة «الأمن أو الحرّية» تتجلّى بقواعد أخرى، فيعاني اللبناني الأمرّين قبل أن يحصل على حقه. وهنا، يبدو أنّ المعادلة هي «جسر أو عجقة». لكن، على رغم الزحمة الخانقة، يبقى جسرُ جل الديب مطلباً أساسيّاً ومُحقّاً ليس لأهالي جل الديب والمتن فقط بل لأيّ مواطن يسلك هذا الأوتوستراد أو يعاني من اضطراره للدخول من انطلياس أو نهر الموت و«يعلق بعجقة» ليصل إلى جل الديب ومحيطها. فإضافةً إلى الشركات والمؤسسات والمحال التجارية والمطاعم العديدة التي تحويها المنطقة، يوجد في جل الديب الفرعُ الوحيد لكلية الحقوق والعلوم السياسية – الجامعة اللبنانية في كل محافظة جبل لبنان.

ومن المُفترض بالجهات المعنيّة الإسراع في إنشاء الجسر وإنهاء الأشغال قبل فترة عيدَي الميلاد ورأس السنة، التي تُشكّل «الهاجسَ الأكبرَ» للبنانيين... فـ«نقطة شتي» تُغلق الطرقات وتُغرقها، ضِف إليها زحمة التسوّق قبل الأعياد، وزحمة الأشغال، خصوصاً أنّ «الدولة تتأخر دائماً» بالقيام بواجباتها، واللبناني يدفع الثمن.

«الفَرج» قريب؟

وفي حين يوضح وزير الأشغال العامة والنقل يوسف فنيانوس لـ«الجمهورية» أنّ الوزارة غيرُ معنيّة بأشغال جسر جل الديب وأنّ هذا الملف بعهدة مجلس الإنماء والإعمار فقط، يشرح المجلس لـ«الجمهورية» أنّ «زحمة السير على الأوتوستراد في منطقة جل الديب هي نتيجة كثافة السير على هذا الأوتوستراد التي تفوق قدرته الاستيعابيّة»، مشدّداً على أنه «قد تمّ عند البدء بالأشغال المحافظة على أربعة خطوط سير في كل اتّجاه في جميع مراحل تحويلات السير التي تمّ اعتمادُها على الأوتوستراد».

تراوح أوقاتُ العمل على جسر جل الديب بين الساعة 6 صباحاً و6 مساءً، ووفق العقد بين مجلس الإنماء والإعمار والجهة المتعهّدة (مكتب دروس وأشغال مائية كهربائية - ايلي سلوان)، تنتهي الأشغال في 23/2/2019، أي بعد الأعياد، ما يعني أن لا «فَرج» قبل 7 أشهر.

فهل هناك مِن أمل أن تُفرَج قبل هذا التاريخ على المواطنين؟ يشير مجلس الإنماء والإعمار إلى أنه «من المتوقع زيادة ساعات العمل في المراحل اللاحقة وبحسب مقتضيات المشروع وذلك بهدف الإسراع بتنفيذ الأشغال»، كذلك «سوف يتمّ افتتاحُ الجسرَين أمام السيارات على مراحل».

هل هناك تأخيرٌ في الأشغال؟ وهل تمّت دراسةُ الطرقات قبل البدء بالأشغال؟ ولماذا لم يتم تأمينُ طرقاتٍ بديلة؟

يجيب المجلس: «الأشغال تنفَّذ بناءً على المواصفات المذكورة في دفتر الشروط وبحسب الجدول الزمني للمشروع. ولا توجد طرقات بديلة عن الأوتوستراد يمكن الاعتماد عليها في المنطقة المحاذية للمشروع».

بعد أخذٍ وردّ واعتراضات حول شكل جسر جل الديب، تمّ اعتماد جسرَين على شكل L بناءً على قرار مجلس الوزراء رقم 111 تاريخ 4 – 5 – 2017. ويشرح المجلس أنّ الهدف من الجسرَين هو تأمين الدخول والخروج من المنطقة الواقعة شرقي الأوتوستراد من وإلى المسلك الغربي للأوتوستراد بالإضافة إلى تنظيم حركة المرور المحلية بواسطة إنشاء طريق خدمة إلى جانب المسلك الشرقي من الأوتوستراد.

«اللي شِرب البحر ما راح يغصّ بالساقية» يقول مواطون يأملون أن يؤدّي الجِسر إلى انحسار زحمة السير، وأن يُخفِّف المدخلان الإضافيان إلى المتن من الضغط على مخرجَي أنطلياس ونهر الموت.

الأمن الداخلي: «ما باليد حيلة»

الزحمة «الهستيرية» لا تقتصر على الأوتوستراد بل تمتدّ إلى الطريق البحرية والطرقات الداخلية، فلا يبقى أيُّ «ملاذ» للمواطن لـ«يزورب» ويصل إلى منزله أو عمله قبل أن يفقد أعصابه.

وفي شباط الماضي، أعلنت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أنه لاستكمال الأعمال عند تقاطع جل الديب أجرت الشركة المتعهّدة تحويلات عدّة في المحلّة وأغلقت مسرباً واحداً من كل من المسلكين الشرقي والغربي، ليبقى أربعة مسارب لكل مسلك. وتوقّعت أن تنتج عن هذه التحويلات زحمةُ سير طيلة فترة الأشغال.

وطلبت من المواطنين أخذ العلم، والتقيّد بتوجيهات رجال قوى الأمن الداخلي وإرشاداتهم، وبعلامات السير الموضوعة في المكان، تسهيلاً لحركة المرور، ومنعاً للإزدحام.

صحَّ توقُّعُ المديرية، وزادت زحمةُ السير، وزادت بالتالي نقمةُ المواطنين، خصوصاً مع ارتفاع درجات الحرارة التي زادت «الطين بلّة».

وعن سبب غياب عناصر قوى الأمن الداخلي لتنظيم مرور السيارات، يؤكّد مصدر أمني لـ«الجمهورية» أنّ «أسبابَ أزمة السير على الأوتوستراد واضحة وهي الأشغال التي تقام هناك». ويشرح أنه «في الأساس كانت هناك زحمة، ومع تضييق الأوتوستراد، فإنّ الزحمة ستزداد حكماً».

ويوضح المصدر أنّ «قوى الأمن الداخلي تقوم بواجباتها، وهي تطبّق القانون، لكنّ هذا الموضوع خارجٌ عن إرادتها، ولا يتمّ الإنتهاءُ منه سوى عندما يتمّ الإنتهاء من بناء جسر جلّ الديب وإعادة فتح كل مسارب الأوتوستراد، خصوصاً أنّ أعدادَ السيارات التي تعبر في تلك المنطقة كبيرٌ جداً».

«الجِسرُ هديّة» الميلاد؟

أما على صعيد مسؤولية البلدية، فيرى رئيس بلدية جل الديب- بقنايا المهندس ريمون عطية في حديثٍ لـ«الجمهورية» أنّ «هذه الزحمة غير ناتجة عن أشغال جسر جل الديب، فخطوطُ الاوتوستراد الأربعة مفتوحة على المسلكين، على غرار كامل الأوتوستراد»، مشيراً إلى أنّ مسلكي أوتوستراد جونيه مثلاً يتألّفان من خطين فقط». ويلفت إلى أنّ «الزحمة ممتدة من طرابلس إلى الدامور، وتطال كل المناطق».

وإذ يذكّر بـ«أننا عملنا كثيراً لإنشاء جسر جل الديب»، يعتبر أنّ «ردّ زحمة السير إلى الأشغال المُقامة على أوتوستراد جل الديب هو كلامٌ إعلاميٌّ وهميّ وبروباغندا فارغة، فلا حواجز على المسلكين، كما أنه لم يتمّ إقفال الأوتوستراد بسبب بناء الجسر ولو حتى لمرة واحدة منذ بدء الأشغال».

وإذ يسأل: «هل جسر جل الديب مسؤولٌ عن الزحمة في كل لبنان»؟، يشدّد على «أننا نريد مدخلاً إلى ضيعتنا ولا يُمكن لأحد أن يمنعنا من الحصول على هذا الحق». ويشير إلى أنّ «العملَ يسير كما يجب وبالسرعة المطلوبة». ويرى أنّ «الأشغالَ ستنتهي بعد 5 أشهر، وأنّ أهالي جل الديب وانطلياس وغيرها من المناطق الأمنية سيسلكون جسرَ جل الديب في فترة الميلاد المُقبل على أقصى حدّ».

الحلُّ الدائم

بالنسبة الى حلٍّ كاملٍ متكامل لإنشاء أوتوستراد جديد لساحل المتن، أو لتوسيع الأوتوستراد القائم، يشير مجلس الإنماء والإعمار إلى أنه «تمّ التخطيطُ لطريق ساحلي جديد غربي الاوتوستراد الحالي من ضبيه حتى مدينة بيروت وتمّ تصديقُه بموجب المرسوم رقم 13603 تاريخ 20/10/2004»، أمّا توسيع الاوتوستراد الحالي فيتطلّب هدمَ الأبنية المحاذية له في الاتجاهين بكلفة استملاك باهظة.

صحيح أنّ الزحمة بين نهر الموت ونهر الكلب، خصوصاً على المسلك الشرقي ازدادت مع البدء بالأشغال على أوتوستراد جل الديب، إلّا أنها معاناة طويلة وقديمة «ما قبل الأشغال». وتتطلّب حلّاً شاملاً، فأوتوستراد الساحل اللبناني خطّ واحد متواصل في غالبية مناطقه، ويؤدّي حادثٌ واحد في بيروت إلى زحمة تمتدّ إلى ما بعد جونيه.

ومن إحدى هذه الحالات، تسبّب وجود جثة في وسط الطريق على أوتوستراد الدورة - الكرنتينا، صباح 11 تشرين الأول 2016 بزحمة سير خانقة امتدّت إلى جونيه وأدّت إلى إقفال مداخل بيروت، وعلق المواطنون حينها في سياراتهم عند نفق نهر الكلب لساعات!

غالبيةُ خطوط الأوتوستراد الساحلي أُنشِئت في أواخر الخمسينات في عهد الرئيس كميل شمعون، حين كان عددُ السيارات لم يصل إلى الـ20 ألفاً، فيما هناك نحو مليوني سيارة في لبنان اليوم، ولم يعد الأوتوستراد يستوعب هذا العدد الهائل من السيارات، وهناك ضرورة ملحّة لإنشاء أوتوستراد جديد بديل، أو توسيع الأوتوستراد الحالي. ويأمل المواطنون أن يكون هذا المشروع من ضمن أولويّات الحكومة المُقبلة، خصوصاً بعد طرح الحكومات السابقة أكثرَ من مشروع، بعضُها غيرُ قابل للتنفيذ، وبعضُها شهد مصيرَ «الحَبس» في الأدراج إلى جانب مئات المشاريع.