ما سنصل اليه في وقت ما هو إلا مجلس ليوجارغي ترسل اليه كل طائفة ممثليها بمعزل عن مواقف الطوائف الأخرى
 

من الصعوبة بمكان إمكانية قيام دولة حقيقية في نظام تعددي ان لم تكن التعددية حقيقية داخل كل طائفة ومذهب. من الشيعة الى السنّة والدروز والمسيحيين بالطبع. ولا دولة بالمعنى الحقيقي ان لم تكن دولة مدنية تعبر عن عقد اجتماعي بين مواطنين لا بين طوائف ومذاهب. 

والكارثة ان لبنان يسير الى الوراء وفي طريق انحداري. ولا مرة كانت الطائفية عميقة وبارزة كما هي اليوم. و السؤال المفصلي في هذا السياق متى يمكن؟ 

بعد  اشهر قليلة تصادف الذكرى الـ ٧٥ على بيان الحكومة الاستقلالية الأولى، والتي اكدت على ضرورة تجاوز الطائفية والطائفية السياسية والانتقال الى المواطنة. كما اكد على ذلك أيضاً اتفاق الطائف والذي تضمن انشاء مجلس للشيوخ ، المفارقة في كل ما سبق انه بالوقت الذي يفترض العمل على تطبيق اتفاق الطائف يلاحظ وبوضوح لا يقبل الشك قطعياً، أن كل القيادات  تعبر علانية عن ضرورة الحفاظ على حقوق الطوائف وعن تمثيلها وتقاسم حصصها المذهبية والطائفية. كل ذلك كان مفهوماً، وإن لم يكن مرغوباً، أيام القانون الأكثري وهيمنة سلطة الوصاية السورية. أما اليوم، وبعد مرحلة التغني بإنجاز النسبية تصبح المسألة مبهمة. فإذا كان التيار الوطني الحر اتهم خلال مرحلة ما قبل الانتخابات بأنه يعيد لغة وعبارات تعود إلى زمن الحرب والانقسام الطائفي، فإن تقاسم الحقائب ووضع كل فريق سياسي تشكيلته الطائفية، يضع الجميع في مرتبة واحدة مع الفارق أن هذا التقاسم مغطى بعنوان «تمثيل كل القوى السياسية نسبياً في الحكومة». ألم يكن الأفضل في هذه الحال أن نطلق صراحةً عنوان الليوجرغا اللبنانية بديلاً عن البرلمان اللبناني ومن  دون مواربة. 

إقرأ أيضًا: كفى إمعان في الرقص على حافة الهاوية ...

 

في بداية عهد جمهورية الطائف كرس نظام الوصاية السورية ،صيغة الحكومة الثلاثينية والتصرف كأنها أصبحت ملزمة للبنان والمقياس الوحيد للحكومات فيه. وهذا المقياس الذي فرضه منطق تفريغ جوهر اتفاق الطائف واعتبار الحكومة غنيمة حرب يجب توزيعها على زعماء الطوائف وأنصارهم والأقارب، حيث اصبح هؤلاء وكلاء السلطة الحقيقية، الآمر الذي أدى الى إعتماد معيار خاطئ في التأليف: وزير لكل أربعة نواب، كأن اللعبة السياسية الديمقراطية مجرد عملية حسابية تنجح بشكل آلي. والمعيار الخاطئ جعل الكلام العادل بالمنطق الشكلي على وحدة المعايير نوعا من ستار لتوزير حلفاء هذا الحزب أو ذاك خصوم هذا الزعيم أو ذاك من حصص الآخرين. 

ولسنا، في أية حال، على الطريق الى حكومة، ولو جرى التأليف غدا. فما تدور حوله المعارك التي تؤخر التأليف، سواء بالنسبة الى العقد التي لا فرصة لظهورها في حكومة أصغر أو بالنسبة الى العقد الآتية من الجوع الى المال والسلطة والأخرى الآتية من حسابات بعيدة المدى، هو أبعد ما يكون من تأليف حكومة في نظام ديمقراطي برلماني. وما سنصل اليه في وقت ما هو إلا مجلس" ليوجارغي " ترسل اليه كل طائفة ممثليها بمعزل عن مواقف الطوائف الأخرى، ويختار أمير كل طائفة ومذهب ممثليه من دون تدخل الآخرين. وكل ذلك في غياب البحث عن اتفاق على برنامج حكومي للرد على التحديات السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية الملحة التي لاتهدد الوضع المالي والاقتصادي فحسب بل الى سقوط البلد بشكل نهائي. 

والواقع الذي نعيش شاهد. فالثنائية الشيعية هي عمليا أحادية حصرية في التمثيل. لكن "حزب الله" يعترض على حصرية التمثيل السنّي التي يصرّ عليها تيار المستقبل وحصرية التمثيل الدرزي التي يتمسك بها جنبلاط ويطالب بتمثيل حلفائه السنّة والدروز لتكريس التعددية خارج الاطار الشيعي. 

والطامة الكبرى انه بالوقت الذي يجب فيه العمل على خلق تعددية للأسف يطالب البعض ان يحتذي بتجربة الثنائية الشيعية وان دل ذلك على شيئ انما يدل وبوضوح انه لا تعددية فعلية لا في المكوّن المسيحي ولا في المكون الاسلامي، والاتجاه السائد اليوم بحيث أنه من الاكيد أننا على ابواب ليوجيرغا لبنانية والاتي من الايام اننا سنكون امام صيف حار جداً.