دخول حزب الله بقوة على خطّ العمل لإعادة آلاف اللاجئين إلى سوريا بالتنسيق مع النظام، ليس وليد الصدفة، ولا هو نتاج عمل لبناني- سوري. بل يرتبط بجملة مسارات سياسية، وتطورات حقيقية في علاقات حزب الله الدولية. وهو لا ينفصل عن مسار المعارك في درعا التي يشارك حزب الله في عملياتها العسكرية. وليس صدفة أيضاً أن تخرج مصادر فرنسية في موقف قديم جديد بشأن سحب الحزب العديد من عناصره من سوريا. وإذا أراد البعض اعتبار الكلام الفرنسي موجهاً ضد حزب الله، فالعكس صحيح، لأن الكلام الفرنسي يحسب للحزب وليس لغيره، بل يوفّر غطاءً دولياً لما يقوم به الحزب في سوريا، وما سيقوم به في المرحلة المقبلة.

تؤكد مصادر متابعة أن العلاقة الفرنسية مع حزب الله ممتازة جداً، وتتطور أكثر فأكثر، خصوصاً منذ فوز الرئيس إيمانويل ماكرون بالرئاسية الفرنسية. وهذا إن لم يكن ظاهراً، فيمكن التقاطه في كثير من المواقف المتوافقة بين الطرفين على الصعيد السياسي وغير السياسي، وحتى تشكيل حزب الله لجاناً لإعادة اللاجئين، منسق مع الفرنسيين ويحظى بدعمهم.

قبل فترة، قال الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله إن بعض الدول الأوروبية التي تعتبر حزب الله إرهابياً أو تصنّف شقاً منه على لائحة الإرهاب، كانت تتواصل معه في عمليات مكافحة الإرهاب وحصل تواصل استخباري مع الحزب لاجهاض عمليات إرهابية. وهنا، تكشف المصادر أن التنسيق مع الفرنسيين بلغ أوجه على الصعيد الأمني في الفترة السابقة، وهو اليوم في أوج تطوره على الصعيد السياسي.

بدأ التواصل بشأن ملفات عدة تتعلق بالتطورات في لبنان وسوريا، وقد كان التعاون ناجحاً وفق ما تؤكد المصادر. وهذا ما بدأ بمبادرة فرنسية مقابل عدم ممانعة من قبل الحزب، فتكررت التجارب إلى أن وصلت إلى ملف اللاجئين. ثمة من يشير إلى أن الفرنسيين بحاجة إلى هذا النوع من العلاقة لما ستشكله لهم من مربّع متقدم في المنطقة. لا تشير المصادر إلى إنعكاسات سياسية حالية آو آنية لهذا التقارب، لكن الأكيد أن ما يقوم به الحزب، يهدف من خلاله إلى قطف ثماره في مراحل لاحقة. وتؤكد المصادر أن قنوات التواصل رسمية ومحددة وموجودة على قاعدة اعتمادية وممنهجة، وليس تواصلاً هشّاً. ما سيسهم في تعزيز هذه العلاقة.

يربط البعض الموقف الفرنسي تجاه حزب الله بالموقف تجاه إيران. إذ إن الموقف الفرنسي مغاير للموقف الأميركي، خصوصاً في ظل أزمة الركود الاقتصادي الكبرى التي تعاني منها القارة العجوز. وبعد الاتفاق النووي وقعت شركات أوروبية كبرى عقوداً في الأسواق الإيرانية. ليأتي دونالد ترامب ويفرض عقوبات عليها انسجاماً مع قرار انسحابه من الاتفاق. الموضوع اقتصادي وليس سياسياً. وهو يرتبط بالزيارة التي يجريها الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى أوروبا، لتعزيز التعاون مع الأوروبيين.

لكن هذا التقارب يعكس قراراً إيرانياً في عدم القطع مع الأميركيين، أكثر من مجرد الرهان على الأوروبيين. بالتالي، هناك جو إيراني واضح بعدم إدارة الظهر لفكرة تحقيق خروقات في التواصل والحوار مع الأميركيين، لكن تبقى المسألة متعلّقة في كيفية ترجمة ذلك وتحقيقه. إلا أن كل هذه الأسباب الواسعة تبقى مختلفة عن التواصل الفرنسي مع الحزب.

يعتبر الفرنسيون أن لحزب الله وضعية خاصة في لبنان، تتعلق في الحفاظ على الاستقرار. وهذه الخصوصية لا تتعلق بما هو أبعد من لبنان، ولا بالموقف من إيران. لذلك، يحظى حزب الله باعتبارات جيدة وإيجابية فرنسياً إنطلاقاً من دوره اللبناني. لكن، لا شك أن هذه التطورات ستؤدي إلى متغيرات على الصعيد السياسي العام في المرحلة المقبلة، خصوصاً أن التقديرات الأوروبية للمستقبل تشير إلى إعادة صوغ تسوية أو اتفاق بين الإيرانيين والأميركيين. وهذا ما سيكون له انعكاسات على لبنان.

وفي كلامه الأخير قال نصرالله إن حزب الله قد يتجه إلى المطالبة بأكثر مما هو محدد له في تركيبة الحكومة، إذا ما بقي التشدد سيد الموقف بالنسبة إلى مختلف الأفرقاء. وهذه إشارة أساسية، لا يمكن إغفالها في حسابات الحزب الاستراتيجية للمرحلة المقبلة. وهذا الكلام لا ينفصل عن محاولات التشدد من قبل خصوم حزب الله بمطالبهم الحكومية، لمنع حصوله على أكثرية حكومية أو ثلث معطل مع حلفائه، بدون التيار الوطني الحر. كأن نصرالله أراد إيصال رسالة مضادة، بأن هذا التشدد سيدفعه إلى التشدد أكثر. ما قد يطرح على المدى البعيد إعادة صوغ التركيبة اللبنانية.

الجميع مقتنع بأن حصار إيران سيؤدي إلى مرحلة جديدة، في ما يخص الوضع في سوريا ولبنان. من هنا، يبرز التقارب بين الفرنسيين وحزب الله. لكن، المساعي الفرنسية تعود إلى مؤتمر سان كلو في العام 2007، عندما اجتمع الصف الثاني من القيادات اللبنانية للبحث في الخروج من أزمة لبنان. آنذاك، طرح الإيرانيون مخرجاً سياسياً هو الذهاب إلى المثالثة في كل المسائل ضمن التركيبة اللبنانية. وهذه التقديرات تصل إلى خلاصة مفادها أن أي حلّ للأزمة في لبنان بدون إسالة دماء، سيكون بالعودة إلى اتفاق سان كلو، على قاعدة الدستور مقابل السلاح، والدخول إلى الدولة وفق نطاق المال والنفط والأعمال، خصوصاً أن للفرنسيين دوراً أساسياً في مجال النفط.