خلافاً لعوارض التشنّج والقلق التي تسود بعض الأوساط السياسية والشعبية، يلاحظ زوّار رئيس الجمهورية ميشال عون في هذه الأيام أنه مرتاحٌ ومطمئنّ الى مستقبل لبنان، مؤكّداً بلهجة واثقة «أنّ الآتي أفضل بكثير على رغم الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تطفو على السطح حالياً».
 

من مكتبه الرحب في القصر الجمهوري، يطلّ عون على بيروت، وخصوصاً على ضاحيتها الجنوبية التي تمتدّ جذورُه اليها، وتحديداً الى محلة حارة حريك فيها، قائلاً بنبرة دافئة: «لقد ترَكَتْ هذه المنطقة في وجداني خليطاً من الذكريات التي تجمع بين الأحداث المؤلمة والسعيدة».


وعون المطمئنّ الى الغد، يتابع مباريات كأس العالم كلّما تسنّت له الفرصة. هو في المبدأ يشجّع «اللعب الجميل» ويتابعه بشغف، لكن عند سؤاله عن هوية المنتخب الذي يشجعه، لا يخفي حماسته للمنتخب البرازيلي، «ليس فقط لأنّ البرازيل تَبرَع في لعبة كرة القدم، بل ايضاً لأنها استضافت أعداداً كبيرة من اللبنانيين المهاجرين ومنحتهم الفرص للوصول الى مراكز مهمّة في الدولة، ولذلك أشعر بعاطفة خاصة حيال منتخبها».


لكن ما يستغربه عون، وفق زوّاره، إيحاء البعض بأنّ هناك «كرة نار» تهدّد بالتهام الاخضر واليابس في لبنان، مؤكّداً أن «لا مبرّر لتعميم الشعور باليأس والإحباط على اللبنانيين، لأنّ الصورة ليست سوداوية الى هذا الحدّ»، وداعياً وسائل الاعلام الى «تحمّل مسؤولياتها في الاضاءة على الوقائع الحقيقية وعدم الانزلاق الى مبالغات ليست في محلّها».


يُقر عون «أنّ الوضع الاقتصادي والمالي صعب، لكنه ليس على عتبة الانهيار والدولة ليست على وشك الإفلاس»، كما ينقل عنه زوّاره، لافتاً الى «أنّ الأزمة تحفر في وطننا منذ 30 عاماً، وبالتالي من الطبيعي أن يكون لها انعكاس سلبي في اكثر من مجال، لكن المهم اننا بدأنا في احتوائها ووقف الحفر نزولاً، ويمكن القول في هذا الاطار أنّ مشكلة الكهرباء باتت أخيراً على سكّة الحلّ الجذري بعدما أضعنا كثيراً من الوقت والمال»، مشيراً الى أنّ عجز الكهرباء بلغ منذ عام 1993 وحتى الآن نحو 40 مليار دولار، أي ما يعادل نصف الدين العام». ويضيف: «لا يجوز دفع اللبنانيين الى فقدان الامل، وأنأ اؤكد أنّ بلدهم يملك فرصة، ليس فقط للخروج من عنق الزجاجة، وانما للعودة كما كان في عصره الذهبي»، مراهناً على «حيوية اللبنانيين وروح المقاومة لديهم، إضافة الى بعض العوامل المادية ومنها الثروة النفطية على سبيل المثال». ويقول: «لا يجب أن يغيب عن بالنا تحت وطأة التجاذبات الداخلية اننا نجحنا في طرد الارهاب من ارضنا واستطعنا تحصين لبنان وسط الحرائق المشتعلة في محيطنا».


وعلى قاعدة «التفاؤل الاستراتيجي»، يتعامل عون بهدوء وأعصاب باردة مع عقدة تشكيل الحكومة، مشيراً الى «أنها ستتشكّل في نهاية المطاف على أساس معيار علمي وموضوعي يتمثل في ترجمة الأحجام التي أفرزتها الانتخابات النيابية الى نسب وزارية». ويتجنّب الدخول في التفاصيل والإفصاح عن طبيعة مقاربته لهذا المعيار وطريقة تطبيقه عملياً، تاركاً للرئيس المكلّف أن يؤدّي مهمته.


لكنّ عون يُطلق إشارة لا تخلو من الدلالة بقوله: «وفق الدستور، تعود مهمة تشكيل الحكومة الى الرئيس المكلف بالتنسيق مع رئيس الجمهورية، وهذا يعني أن لنا رأينا ايضاً ولا نوقّع فقط، من دون ان يكون هناك مساس بصلاحيات أحد».


وفيما يحرص عون على تفادي الانزلاق الى الزواريب الضيّقة، يوضح انّ استقباله لكل من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع يندرج في سياق إصراره على «تثبيت الاستقرار الداخلي والفصل بينه وبين ايّ خلافات او تجاذبات سياسية». ويقول: «أنا بيّ الكل، وانطلاقاً من هذه الأبوّة الوطنية اسعى الى احتضان الجميع وتصويب المسار متى انحرف.. هذا هو واجبي الذي أؤدّيه بأمانة».


ويشدّد عون على ضرورة حماية المصالحة المسيحية بين «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية»، ومصالحة الجبل بين المسيحيين والدروز، بمعزل عن الهبوط والصعود في الضغط السياسي للجسم اللبناني، معتبراً أنه «لا تجوز العودة في أيِّ ظرف الى مرحلة ما قبل المصالحات الداخلية بكل أبعادها».

ويقول: «لا يصحّ كلما اختلفنا على حكومة أو ملف أن يهتزّ جوهر المصالحة هنا او هناك. إنّ الاختلاف مشروع ويحقّ لكل منا أن ينتقد أمراً أو أن يعارض الآخر، وإذا لم نحترم هذا الحقّ المتبادَل، ماذا يبقى من نظامنا الديموقراطي وما الجدوى منه، ولكن المهم في الوقت نفسه أن يظلّ التباين في الرأي تحت سقف الأخلاقيات السياسية والمصلحة العامة، فلا يتحوّل عدائية ولا يصبح مبرِّراً للكذب والاعتداء المعنوي على الآخرين».


وحين يُسأل رئيس الجمهورية عن السقف الزمني لتأليف الحكومة، يجيب: «المسألة تتوقف على المعنيين بتأليفها، وأنا أفترض أنّ الجميع يتحسّسون مسؤولياتهم ولا بدّ لهم عاجلاً أم آجلاً من تسهيل ولادة الحكومة». ويضيف مبتسِماً: «السوق لا تزال في بدايتها، وفي لحظة ما سيلجأ الجميع الى تخفيض الاسعار والتعامل بواقعية مع الاحجام».


وعن انتقاد البعض مطالبته بحصة وزارية، يتساءل عون: «لماذا كان يحق ذلك للرؤساء الآخرين من الياس الهرواي الى اميل لحود وميشال سليمان، بينما يستكثرون عليّ مثل هذه الكتلة الوزارية، ويصوّرونها شواذاً عندما تصبح المسألة متعلقة بي؟». ويلفت الى انه سبق له ان طالب بإدراج «هذا الحق» في الدستور، مشدداً على «اهمية ان تكون للرئيس كتلة وزراء تعبر عنه في الحكومة وتعكس سياساته». ويضيف: «من المعروف انّ صلاحيات رئيس الجمهورية تقلّصت وهو يترأس جلسات مجلس الوزراء ولا يصوّت، وأحياناً لا يترأسها أصلاً، وبالتالي فإنّ وزراءَه يمكن أن يعوّضوا نسبياً عن هذا الواقع، فأين الضير في ذلك؟».


وعندما يقال لعون إنّ البعض يأخذ عليه أنه شرّع أبواب القصر امام «العائلة الحاكمة»، يجيب على وقع ضحكته: «هذا الاتّهام لا أساس له من الصحة. عن أيِّ عائلة يتكلمون. نعم، هناك دور معيّن تؤدّيه ابنتي ميراي تحديداً، ولكن ليس استناداً الى أواصر القربى وإنما انطلاقاً من كفايتها التي يعترف بها الجميع.

أما جبران فله قصة أخرى وهو الآن رئيس «التيار الوطني الحر». وإذا كان المقصود صهري شامل روكز فهو فاز في الانتخابات النيابية ودخل الى مجلس النواب بإرادة الناس. وأنا أتساءل: لماذا لا يأتون على ذكر العائلة عندما يتعلق الأمر بالتضحيات التي قدّمتها خلال فترة النضال، وبعض افرادها ممّن اصبحوا نواباً الآن ضُربوا واعتقلوا تعسّفاً لأنهم كانوا يقاومون الظلم».


ويتابع عون مبتسماً: «أخشى ان كل شخص يبدأ اسم شهرته بحرف العين سيكون مشروع متهم بأنه من الاقرباء المستفيدين من العهد».