أزمة التأليف تراوح مكانها وتدخُّل عون يزيد من حدة الخلاف على الصلاحيات
 

بالرغم من الحركة النشطة على جبهة المساعي التي بذلها الرئيس المكلف سعد الحريري لتذليل العقبات التي تعترض تشكيل الحكومة قبل مغادرته البلاد في إجازة، والتي شهدها في اليومين الأخيرين القصر الجمهوري بمبادرة من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وشملت رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل، ما زالت الأوساط السياسية المتابعة عن قرب لهذه الحركة، تميل إلى ان عملية التأليف ما زالت تراوح مكانها ولم يحصل أي خرق جديد يبشّر بولادة قريبة لها، كما يأمل كل من الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية، وان كانت هذه الحركة التي يشهدها القصر الجمهوري ساعدت على تخفيف الاحتقان السياسي بين الأطراف المعنية ورئاسة الجمهورية نتيجة سلسلة المواقف التصعيدية التي أطلقها رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، واعادة فتح أبواب الحوار بين الجميع بحثاً عن تسوية جديدة تنتج الحكومة العتيدة وتجنب البلاد تداعيات ومخاطر استمرار الفراغ في السلطة الاجرائية في البلاد.


وتعزو هذه الأوساط هذه المراوحة على صعيد التأليف، إلى رغبة رئيس الجمهورية في الاستئثار بعملية تأليف الحكومة التي يريد أن تكون حكومة العهد الأولى، وليست المواقف التصعيدية لرئيس «التيار الوطني الحر» سوى التعبير العملي عن هذه الإرادة.


وتؤكد هذه الأوساط ان الرئيس المكلف وصل إلى هذه القناعة بعد سلسلة اللقاءات التي عقدها مع رئس الجمهورية من جهة ومع رئيس «التيار الوطني الحر» من جهة ثانية، الامر الذي دفعه إلى توقيف محركات التأليف ومغادرة البلاد إلى الخارج في إجازة جاءت في غير وقتها للتعبير عن انزعاجه من تصرفات رئيس الجمهورية وفريقه التي أدت إلى فرملة مهمته ووضعت عملية التأليف أمام الحائط المسدود.


وتجزم هذه الأوساط بأن مكمن استمرار أزمة التأليف ليس ناتجاً عن التباين الظاهر حول تقاسم الحصص بين القوى الفاعلة داخل مجلس النواب والتي يُمكن تذليلها في حال توافرت النيّات الحسنة للخروج من هذا المأزق القائم حالياً بحكومة وفاق وطني جامعة لكل هذه الأطراف بناء على ما أفرزته نتائج الانتخابات النيابية، وعلى التفاهمات السابقة، وعلى سبيل المثال لا الحصر تفاهم معراب بين رئيس الجمهورية بوصفه رئيساً للتيار الوطني الحر ورئيس حزب القوات اللبنانية بوصفه صاحب مبادرة تبني تسمية العماد عون لرئاسة الجمهورية والذي نص على قيام ثنائية مسيحية بين الحزبين على غرار الثنائية الشيعية تتقاسم بالتساوي التمثيل في أية حكومة تشكّل بعد انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية، وأيضاً التفاهم الذي حصل بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية بالنسبة إلى توزيع الحصص الحكومية بين القوى السياسية وفقاً لمعيار واحد هو النتائج التي أفرزتها الانتخابات النيابية التي جرت على أساس قانون نسبي حدد بدقة الاحجام السياسية والتمثيلية لكل الأفرقاء، وهو ما يتمسك به رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط ويرفض التنازل عنه تحت أي سبب من الأسباب في الوقت الذي يُصرّ رئيس «التيار الوطني الحر» على تجاوزه ويطرح النائب طلال ارسلان ممثلاً للطائفة الدرزية في الحكومة العتيدة.


وتؤكد هذه الأوساط ان المشكلة لا تتوقف عند هذا الحد، بل تتعداه إلى تمسك رئيس الجمهورية و«التيار الوطني الحر» بإشراك كل فريق 8 آذار بالحكومة العتيدة كذلك اشراك ما يسمى بتجمع نواب الطائفة السنيّة الموجود خارج تيّار «المستقبل» بأحدهم في الحكومة العتيدة، والتمسك بحق رئيس الجمهورية في ان يكون له أكثر من ثلاثة وزراء في الحكومة المقترحة مما يوفّر له مع ممثلي التيار الوطني الحر أكثرية الثلث المعطل فيها، الأمر الذي يمكنه من الإمساك بكل قراراتها ايجابا وسلباً وفق ما يتناسب مع رغباته ومصالحه السياسية.


وتقول هذه الأوساط ان مثل هذه الشروط التي يتمسك بها العهد ناتجة عن قرّار اتخذه عندما رفض ان تكون حكومة تصريف الأعمال الحالية حكومة العهد الأولى، وأصر على ان تكون بعد الانتخابات النيابية، بحيث تشكّل الضمانة لنجاح العهد في تحقيق سياسته التي رسمها عندما انتخب رئيساً للجمهورية.


صحيح، تختم المصادر، ان الحركة التي يشهدها قصر بعبدا هذه الأيام تنعش آمال اللبنانيين المحبطة نتيجة فشل الطبقة السياسية في الاتفاق على تشكيل حكومة تتصدى للاخطار المحدقة ببلدهم، وصحيح ان الرئيس عون يتولى هذه المهمة شخصياً، الا ان ما ليس صحيحاً وقد يترك انعكاسات سلبية على مجمل الأوضاع الداخلية تدخله بهذا الشكل المباشر في عملية تأليف الحومة متجاوزاً بذلك اتفاق الطائف الذي نص صراحة وبكل وضوح على ان الرئيس المكلف هو من يتولى تأليف الحكومة بالتشاور مع رئيس الجمهورية كما هو حاصل الآن ما يجعل المخاوف السائدة عند معظم اللبنانيين من الوقوع في أزمة حكم امراً واقعاً وملموساً.