فضل الله: كان يتطلع إلى وطن تتنفّس فيه الرسالات والإنسان قيم الخير
 

أحيت مؤسَّسات العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله (رض) الذكرى السنوية الثامنة لرحيله، باحتفال جماهيري حاشد أقيم في قاعة الزهراء (ع) في حارة حريك، بحضور الوزير بيار رفول ممثلاً رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، والنائب محمد خواجة ممثلاً رئيس مجلس النواب نبيه بري، فادي فواز  ممثلاً رئيس الحكومة سعد الحريري، وسماحة الشيخ بلال الملا ممثلاً مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ الدكتور عبد اللطيف دريان، الخوري سليم مخلوف ممثلا البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي، الوزير محمد فنيش ممثلا الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، النائب الدكتور أنطوان حبشي ممثلا للقوات اللبناني وشخصيات دبلوماسية ونيابية وعسكرية وحزبية وعلمائية واجتماعية وثقافية وبلدية، وحشود شعبية غفيرة غصت بهم القاعة ومحيطها.

بعد كلمة وجدانية ومعبرة لمدير المركز الإسلامي الثقافي السيد شفيق الموسوي، قدم أطفال المبرات نشيداً من وحي المناسبة، ثمّ ألقى العلامة السيد علي فضل الله كلمة قال فيها: لقد حرص السيد على أن يبقى الدين صافياً نقياً بالصفاء الذي جاء به، بعيداً من الاستغلال والارتهان، أن يبقى ديناً يدعو إلى أن يكون الإنسان على صورة الله في المحبة والرحمة والحنو الذي يقدمه لعباده، وهو من ينزل مطره على الجميع، وتشرق شمسه من دون أن تعرف حدوداً ولا حداً.. أن يبقى الدين الذي يرى أنّ الخلق كلّهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله..

وأضاف: لقد عمل في كلّ حياته من أجل وطنٍ أراده أن يكون عزيزاً وحراً قوياً في وحدته وفي إنسانه وفي تعاون أبنائه على النهوض به.. هو وطن الرسالات السماوية، وطنٌ يتنفس إنسانه نسائم القيم الأخلاقية والإنسانية، لا ما نعانيه من فسادٍ واستئثارٍ بالمال والمقدرات العامة.. وطنٌ تتأكد فيه قدرة الأديان على التلاقي والتواصل ومد الجسور، في مقابل من يريد أن يثبت، وبالوقائع، أنّ الأديان والمذاهب إن وجدت، فستكون في مشروع حربٍ وفتنةٍ.. ما يؤدي إلى التقسيم والإلغاء في أي زمانٍ..

وتابع: لقد حمل قضايا العالم، كان يرصد العالم عن كثبٍ في تطلّعاته ويومياته، حتّى كأنّه حاضرٌ في كل ساحةٍ، وواعٍ لكل قضيةٍ من قضاياها، وهو ما أشعر متابعيه على امتداد المجتمعات بأنه منتمٍ إليهم وحدهم، فهو لم يكن محدوداً في تطلّعاته وآفاقه، ولم ينأ بنفسه، لأنّ لا مجال للنأي في هذه المرحلة من الزمن وفي الأزمنة اللاحقة، بعدما صار العالم قريةً واحدةً يؤثّر بعضه في بعضٍ.. وهو في كلّ ذلك لم يفكّر في مجدٍ ذاتيٍ وشخصيٍ، أو أيّ حساباتٍ أخرى، مما يتنافس ويتقاتل عليه الناس..

وقال: لم يكن غريباً كلّ هذا الحضور، وكل هذا التنوع، ولذلك نجده حاضراً في كل مناسبة، وله دورٌ فيها، ونحن إذ نقف على مسافة ثماني سنواتٍ من رحيله، نجد أنّ الحضور لا يخبو ولا ينطفئ، بل يزداد تألقاً وتوهّجاً في العقول والقلوب، وفي كل ميدانٍ له حضورٌ فيه، في الفكر والفقه والعقيدة والقرآن والسيرة.. وفي دنيا الطفل والمرأة والشباب، وفي الشعر والأدب والسياسية، وفي كلّ عملٍ يبذل للتخفيف من آلام المعذبين والمقهورين والضعفاء، وفي كل موقعٍ للحوار واللقاء، وفي كل ساحةٍ فيها مواجهةٌ مع استكبارٍ أو احتلالٍ أو تخلفٍ أو جهلٍ.. وفي كلّ موقعٍ للنهوض والتجدد والنمو، تجده حاضراً في كلّ ذلك..

لقد بقي له هذا الحضور، لأنّه كان استشرافياً، لم يعش في ماضيه، بل كان يرصد المستقبل من الماضي.. هو استشرف كلّ ما نعانيه اليوم من فتنٍ تعصف ببلاد العرب والمسلمين، وعمل على أن يقي الأمة من أن تشرب هذا الكأس.. فهو كان يرى الاستهداف الدائم لهذه الأمة في وحدتها، وهو هاجس كل من لا يريد لها خيراً.. كان يحذّر دائماً من الإصغاء إلى مروجي الفتن الطائفية.. فهناك من يعمل في الليل والنهار على تفجير الفتنة الطائفية، لذا كان يدعو إلى نزع فتائل أيّ تفجيرٍ، ويحذر من استخدامه في الاختلاف الديني والمذهبي، أو للسيطرة على هذه المنطقة في العالم.

وأضاف: وقد كان استشرافياً، وهو على فراش مرضه عندما سئل عما يريحه، فقال: لا أرتاح حتى تعود فلسطين لأهلها، لأنه كان يعرف معنى وجود هذا الكيان الصهيوني في منطقتنا.. كان يرى أنّ كلّ ما نعانيه هو نتيجة وجود هذا الكيان، فلأجله صنعت الفتن والصراعات والحروب.. كان يرى أنّ أمةً تتنازل عن أرضها ومقدساتها، وعن كل تاريخها، وتتخلى عن كل ذلك أو ترضى بالأمر الواقع، هي أمةٌ لا تحترم نفسها ولا يحترمها الآخرون، وعليها أن تنتظر في كلّ مرحلةٍ احتلالاً جديداً لأرضها يشرعن، وأمراً واقعاً يثبت.. وعلينا دائماً أن نتذكّر المثل القائل: "أكلت عندما أكل الثور الأبيض"..

وختم قائلا: سنبقى نعمل لتطوير فكرنا وعملنا نحو الأحسن، وسنبقى، على وجه الخصوص، صوتاً يدعو إلى الوحدة وإلى التلاقي والحوار الذي نجسّده بالعمل والموقف.. سنبقى نبضاً للحبّ بالسلوك الذي به نوقف نزيف الدم ونزيف الأحقاد والتوترات.. وسنبقى موقفاً للعدالة، حيث هناك مظلومٌ في هذا العالم، لا نفرق بين ظالمٍ وظالم، أو بين مظلومٍ ومظلومٍ، مهما كانت هوية الظالم وهوية المظلوم، وسنعمل على أن نكون موقعاً للحرية وعنواناً داعماً لكلّ قضاياها، حيث هناك أرضٌ محتلةٌ وشعبٌ مستعبدٌ ومظلومٌ، ولن نجامل في ذلك، مهما جامل المجاملون..

العريضي
 ثم كانت كلمة للنائب غازي العريضي قال فيها: قيمة الرجال بعقولها وأعمالها وبهذا المعنى يكون صاحب هذه الذكرى مميزاً على مختلف المستويات. بعلمه كرّس فكرة المؤسسات وكان صاحب الدعوة الدائمة للوحدة الوطنية، وكان داعية للحوار وفي رأس اهتمامه المقاومة للظلم والجهل ومقاومة الاحتلال مشيرا إلى أن سماحته تميز بجهاده الطويل واندفاعه لمواجهة الاحتلال  من خلال مقاومة تمكنت عبر عقود من تحرير الأرض من الاحتلال.

ورأى اننا اليوم أمام ما نشهد على مستوى الأمة من اندفاعات غير محسوبة هي اندفاعات خطيرة، وعمل حثيث لتصفية القضية الفلسطينية مشيراً إلى أن خياراتهم ستسقط وستبقى فلسطين لأهلها.

وختم في هذه الأيام نستعيد ذكرى السيد فضل الله الذي أعطانا الأمل دائما من خلال العمل بالقيم الكبرى وما احوجنا إلى الكبار من امثاله.

الداعوق
ثم ألقى الرئيس الفخري لجمعية المقاصد محمد أمين الداعوق كلمة عبر فيها عن اعتزازه الشخصي لانه يتكلم في مناسبة وطنية إسلامية كبيرة داعية للخشوع والاحترام لرجل ترك معنا في الوطن معان كثيرة للإيمان وللعلم وللمواطنة ولفلسفة الحياة.
  
وقال: وإن غاب عنا سماحة المرجع السيد محمد حسين فضل الله بالجسد فإن منهج تفكيره ومبادئ علمه ما انفكت فاعلة في وجودنا ونحن في هذه المرحلة  من حياتنا التي يعتورها التعصب وتشوهها انانية قاتلة بحاجة إلى استلهام هذا الفكر وهذا المنهج.

الهاشم
ثم القى الوزير السابق جوزيف الهاشم قصيدة من وحي المناسبة، واختتم الاحتفال بكلمة لخريّج المبرات الدكتور حسن إسماعيل تحدث فيها عن فضل الله السيد فضل الله على الأجيال علماً وعطاءً ووعياً.