عكس اجتماع رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري مع رؤساء الحكومة السابقين، فؤاد السنيورة، نجب ميقاتي وتمام سلام، مدى خصوصية وضع تشكيل الحكومة، وحراجته بعد ما حصل من تصارع بشأن الصلاحيات. أوضح الاجتماع أن البيان الرئاسي الذي أراد الحريري القفز فوقه وعدم التعليق عليه، لم يمرّ مرور الكرام لدى السنّة. فالقصة لم تعد تتعلّق بالحصص والحقائب، بل وصلت إلى حدود التلاعب بالصلاحيات وبالتركيبة التي أرساها اتفاق الطائف. الأهم، أن اللقاء ومضمونه جاءا بعد زيارة الحريري إلى قصر بعبدا ولقائه رئيس الجمهورية ميشال عون، وخروجه بموقف إيجابي بعد اللقاء بأنه يتفق مع الرئيس ولا خلاف بينهما، وبأن الدستور واضح لجهة الصلاحيات.

لم يرد الحريري الدخول في سجال مع رئيس الجمهورية. لذلك، تحدّث بمنطق إيجابي. الأمر الذي فهمه كثر على أنه تنازل عن صلاحيات مقابل الحفاظ على التسوية الكبرى. وربما هذا التفسير هو ما استدعى لقاء رؤساء الحكومات. خلال كلامه من قصر بعبدا، سُئل الحريري عن موقفه من البيان رئاسة الجمهورية الذي تحدّث عن صلاحية دستورية تمنح الرئيس حق تسمية نائب رئيس للحكومة، وحصة وزارية تسانده، فجانب الردّ على ذلك. فيما الردّ العملاني عليه كان في لقاء بيت الوسط، الذي تتضارب المعلومات بشأن من دعا إليه. فإذا ما دعا الحريري رؤساء الحكومات السابقين لدعم موقفه، لماذا أطلق موقفاً إيجابياً من بعبدا؟ يدخل البعض في تحيلات عدة، بأنه لا يريد الدخول بأي سجال، ولكنه أيضاً لا يريد التنازل عن صلاحياته، ولا يريد الظهور بموقع الضعيف.

في المقابل، هناك من يعتبر أن رؤساء الحكومات هم من تحركوا بعد اتصالات عدة وربما بايحاءات خارجية، لتدعيم موقف رئيس الحكومة المكلف، تثبيته على موقفه لعدم تقديم أي تنازل في هذا المجال. وتشير الأجواء المسرّبة من اللقاء إلى أن التأكيد تركز على دعم موقف رئيس الحكومة واحترام الدستور وعدم تجاوز الصلاحيات التي نصّ عليها في عملية تشكيل الحكومة. بالإضافة إلى التأكيد على نقطة أساسية وهي اعتبار رئيس الحكومة المكلّف ومن يدعمه بأن المشكلة التي تعرقل التشكيلة ليست لديه، وهي تتعلّق بالاتفاق على الحصة المسيحية، والتوافق حول توزيع المقاعد بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية مناصفة، أو الوصول إلى تسوية ترضي الطرفين، كحصول القوات على 4 وزارات من بينها حقيبة سيادية. ما لا يمانعه أي طرف آخر غير التيار.

وعلى هذا الأساس اندفع الحريري بفكرة طرح عقد لقاء بين رئيس الجمهورية ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، للبحث في كيفية تسهيل إنجاز التشكيلة الحكومية، وسط تغييب متعمّد لرئيس التيار جبران باسيل، إذ إن القوات تشدد على أن التفاهم عقد مع عون وليس مع باسيل، ومن يبتّ بهذا الأمر هو عون شخصياً وليس باسيل. وهذا أيضاً ما سلكه الحريري مؤخّراً ولو كان من ناحية الشكل، بحيث فضّل أن يحصر مشاوراته مع رئيس الجمهورية ولم يلتق وزير الخارجية في الموعد الذي كان محدداً قبل أيام. وهذا أيضاً ما عززه إيفاد الحريري وزير الثقافة غطاس خوري إلى بعبدا للقاء عون واستكمال النقاش، بدلاً من لقاء خوري مع باسيل. إلا أن قنوات الاتصال عادت وتفعّلت لتبريد الأجواء بين الرجلين، وعقد لقاء بينهما سيشكل انطلاقة جديدة في المشاورات.

وسط هذا النقاش، لا يزال التضارب على حاله إزاء التوقعات بقرب تشكيل الحكومة من عدمه. فالبعض يعتبر أن الحكومة بعد حصول هذه اللقاءات والتفاهم بين عون وجعجع ستكون سريعة التشكيل. فيما يعتبر البعض الآخر أن ما يجري يؤشر إلى تأخر الولادة الحكومية، بسبب انتقال النقاش إلى أمور دستورية وسياسية عامة، بدلاً من النقاش في التفاصيل. وهذا ما دخل عليه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط أيضاً، الذي أعلن تمسّكه بتسمية ثلاثة وزراء دروز، وبأنه لم ولن يتنازل عن هذا المطلب، مع وجوب التقيّد بنتائج الانتخابات. وأرفق جنبلاط موقفه هذا، بتغريدة ساخرة مشبّهاً طريقة تشكيل الحكومة بالذي يريد أن يصنع من البزرة سوشي. وهذا موقف يؤشر إلى التباعد في الرؤى واستبعاد الولادة الحكومية، إلا إذا كان جنبلاط قد أطلق موقفه هذا وسط أعجوبة قد تقرّب الولادة الحكومية. وبذلك يكون موقفه الذي جدد التأكيد عليه، سيدخل في خانة تحقيق انتصار له، طالما أن التشكيلة لحظت كل مطالبه.

ولكن، ما يؤشر إلى ابتعاد الولادة، هو موقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، الذي أكد المطالبة بالإسراع بإنجاز التشكيلة، لكنه رفع سقف خطابه، بأنه إذا ما استمرّت المطالبات غير المنطقية بين بعض الاطراف، فإن الحزب وحركة أمل سيذهبان إلى المطالبة بحصّة أكبر من ستة وزراء مقارنة بعدد النواب في كتلتيهما النيابية. وإذا ما ربط موقف نصرالله بموقفه الآخر، وهو الدخول على خطّ العمل على معالجة ملف اللاجئين، يصبح الربط أكثر منطقية بين عملية التشكيل واستحقاقات أخرى مرتبطة بما هو خارج الحدود، والتي تسهّل التشكيل حال التوافق عليها.