استعاد الحراك الحكومي بعضاً من نبضه بعد زيارة رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع رئيس الجمهورية ميشال عون، في محاولةٍ لتذليل الخلاف المشتعل على خطّ حليفَي «إعلان النوايا»، أي «التيار الوطني الحر» و«القوات».
 

صحيح أنّ جعجع يحاول التخفيف من الوزن الزائد للخلاف من خلال فصل المسارات بين مرشد «التيار» ومؤسّسه عون، ورئيسه الحالي جبران باسيل، إلّا أنّ التوافق على التهدئة على الجبهيتن للبحث عن صيغة مشترَكة ترضي الفريقين، لا يُنهي «نزاع الأحجام» الذي يعرقل مشاورات التأليف.

فالعقدة السنّية لا تزال على حالها، بسبب رفض رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري «الاعتراف» بأيِّ حيثيّة لحضور نيابي سنّي خارج عباءة تيار «المستقبل»، ضارباً القواعد العلمية للتوزير عرض الحائط، بحجة «استهداف» موقع الرئاسة الثالثة ومحاصرتها من خلال تقليص حجم تمثيلها الوزاري.

ولهذا اضطر الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله للدعوة الى توحيد معايير التمثيل الوزاري ليستقيمَ النقاش بين طابخي الحكومة، ووضع معايير محدّدة، تنطبق على الجميع، بلا تمييز بين فريق وآخر.

عملياً، بدا واضحاً أنّ المقصود من هذه الدعوة كل القوى المتأهّبة على «حلبة الملاكمة» في نزاعها حول حجم كل فريق، وقدرته على «خطف» عدد «دسم» من الحقائب. وبهذا المعنى يصير تيار «المستقبل»، و«التيار الوطني الحر» و«القوات» في دائرة «الاتّهام».

إذ يتصرّف هؤلاء الأطراف الثلاثة وفق قاعدة «يحقّ لي ما لا يحقّ لغيري»، فتتضارب القواعد والمعايير. تارة تطفو النسبية على سطح الماء، وطوراً تتغلّب التفاهمات الثنائية على غيرها... وفي حالة «المستقبل»، وحدها شرعيّة رئاسة الحكومة وحصريّة تمثيلها، هي الحاضرة.

ولهذا، يقول المطّلعون على موقف «حزب الله» إنّ نصرالله لم يقصد فريقاً في حدّ ذاته، بمقدار ما تطلّع الى وضع خريطة طريق لمشاورات التأليف التي تتخبّط في قواعدها بفعل التباينات بين مكوّنات السلطة.

ويُفهم من كلامه، أنّ هناك سبيلين لبلوغ «طاحونة» الحكومة بلا أضرار على الطريق: إمّا اعتماد نسبية التمثيل النيابي على قاعدة لكل أربعة نواب وزير أو لكل خمسة نواب وزير، وإما اعتماد نسبية التمثيل الشعبي وفقاً للأرقام التي حققها كل حزب كما بيّنتها صناديق الانتخابات النيابية.

وفق المطلعين، قصد نصرالله من كلامه توجيه رسالة واضحة مفادها أنّ الطريق الى الحكومة تمرّ حكماً بالمعايير الموحّدة التي تسمح بحلّ العقد الجوّالة بين الطوائف، بنحو عادل وسليم. وإلاّ فإنّ لعنة الاعوجاج ستلاحق الحكومة.

ولكن ثمّة رسالة ثانية تعني حلفاء «حزب الله» خصوصاً، انطلاقاً من «فائض التمثيل» الذي يحتضنه الثنائي الشيعي، سواءٌ تمّ اعتماد قاعدة نسبية التمثيل النيابي، أو التمثيل الشعبي، الأمر الذي ألمح اليه نصرالله، من دون أن يفصح عن بقية «رسالته».

وما لم يقله نصرالله هو أنّ للثنائي الشيعي هامش حضور نيابياً وشعبياً يسمح له بالمطالبة بتمثيل وزاري يتخطّى «الكوتا» الشيعية المحدّدة بستة وزراء في الحكومة الثلاثينية. وهو سيجيّر هذا «الفائض» لمصلحة حلفائه وتحديداً تيار «المردة» وما يُسمّى «المعارضة السنّية».

وهنا، تؤكد المعلومات أنّ «حزب الله» لن يتخلّى عن هذين الفريقين في «عراك التوزير» الحاصل أمام ناظريه، على خلاف الكلام المتداول عن ميله الى التقليل من حجم ضغطه على رئيس الحكومة المكلف لتسهيل مهمته وتسريع عملية التأليف في ضوء المخاطر التي تحوط بالمالية العامة.

وفق المعلومات، فقد فاتح «حزب الله» وبنحو واضح كلاً من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف بموقفه من توزير حلفائه، كذلك وجّه رسالة مشابهة إلى الوزير جبران باسيل بهذا الخصوص، ولكن من دون الغوص في نوعيّة الحقائب التي قد تؤول الى هذين الفريقين، خصوصاً أنّ المعنيّين بالطبخة الحكومية يجزمون بأنّ الكلام عن حقائب باتت محسومة «الهوية»، لا أساس له من الصحة طالما أنّ «نزاع الأحجام» لم ينتهِ بعد.