الفشل الإيراني بدا واضحًا في إنزلاق النظام في الوحول السورية
 

إيران في الداخل غير إيران في الخارج. 

فالسياسات التوسعية التي اعتمدها النظام الإيراني في محيطه الشرق أوسطي كانت مكلفة جدًا ورتبت على الخزانة الإيرانية أعباء باهظة الثمن نتج عنها انهيار في سعر العملة الوطنية، وهذا أدى إلى وقوع أكثر من نصف الشعب الإيراني تحت خط الفقر وبات ثلثه يعيش في بيوت من الصفيح ويفتقد إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة الحرة الكريمة التي وعدته بها الثورة الإسلامية التي أطاحت بنظام الشاه محمد رضا بهلوي أواخر سبعينات القرن الماضي. 

والشعارات التي رفعها النظام الإيراني وأوهم العالم انه جاد بالعمل على تحقيقها وخاصة ما يتعلق بالزحف المقدس نحو تحرير القدس وكامل التراب الفلسطيني من رجس الاحتلال الإسرائيلي ومساعدة الشعب الفلسطيني في قضيته وقيام الحرس الثوري الإيراني بإنشاء ميليشيات وأحزاب مسلحة في العديد من البلدان العربية المحاذية لإسرائيل، كلها عوامل كانت كارثية على المجتمع الإيراني الذي وضعته في مواجهة مع المجتمع الدولي وكافة شعوب العالم وتحمل المواطن الإيراني أعبائها ودفع ثمنها من عرقه ومعيشته وراحته. 

والإعلان الذي جاء على لسان غير مسؤول إيراني بأن أربع عواصم عربية باتت خاضعة للهيمنة الإيرانية وأن قراراتها يتم اتخاذها في كواليس طهران المظلمة وهي بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء، وكذلك التبجح بأن حدود إيران هي البحر المتوسط، ما هي إلا ادعاءات فارغة لتغطية فشل النظام الإيراني في سياساته الداخلية وكبح جماح المارد الإيراني المعارض الذي بدأ بالتململ منذ سنوات وانتفض أكثر من مرة، وبالتالي فهي المبرر لضرب الاحتجاجات الشعبية في الشارع والمظاهرات المنددة باستفحال الفساد داخل الإدارة والاعتصامات التي عمت العاصمة  ومعظم المدن في إيران. 

والفشل الإيراني بدا واضحا في إنزلاق النظام في الوحول السورية، حيث ضاعفت طهران من وجودها في سوريا بعد اندلاع الثورة 2011 وعجز النظام السوري عن قمعها فتمكنت إيران من مساعدة الرئيس السوري بشار الأسد في البقاء في دمشق وساعدته على تدمير اغلب المدن السورية الكبيرة وبالغت طهران في ربط نفسها بشخص بشار الأسد غير عابئة بالشعب السوري وبسوريا كدولة ذات سيادة. على أن الواقع يؤكد أن الوجود الإيراني في سوريا ليس أكثر من تحويلها إلى جسر لتمرير السلاح إلى "حزب الله" في لبنان. 

 

إقرأ أيضًا: عراقيل تشكيل الحكومة خارجية وليست فقط داخلية

 

 

وقد وقع النظام الإيراني في المحظور عندما قررت الولايات المتحدة الأمريكية الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني. مضافا إلى ذلك تحول الوجود الإيراني على الأراضي السورية إلى حرب استنزاف لمقدرات إيران المالية والعسكرية والأمنية، وصولًا إلى تحرك تجار البازار داخل إيران ضد النظام، مع الإشارة إلى أن البازار لعب دورًا بارزًا في إسقاط نظام الشاه وتحضير الأجواء لانتصار الثورة الإسلامية في العام 1979. 

وتشبث النظام الإيراني وإصراره على إبقاء تواجده العسكري في سوريا لأطول فترة زمنية ممكنة مع التكلفة الباهظة لهذا الوجود نابع من خوف النظام وعجزه عن الإجابة على سؤال كبير يطرحه على الدوام المواطن الإيراني، ماذا فعلتم في سوريا؟ وما هي الفائدة التي جنتها إيران من تورطها في الحروب السورية غير الخسائر المادية التي جاوزت الخمسين مليار دولار حرم منها الشعب الإيراني وزادت من معاناته وغير الخسائر البشرية التي تقدر بآلاف الشهداء والجرحى؟ علمًا بأن إيران ستنسحب من سوريا عاجلًا أم آجلًا، وهذا بالتأكيد سيؤدي إلى زعزعة النظام فيها وضعفه وربما إلى زواله على أيدي المعارضة التي بدأت تتوسع وتتزايد على مساحة البلاد الإيرانية. 

وتجدر الإشارة إلى أنه خلال المؤتمر السنوي الكبير للمعارضة الإيرانية الذي انعقد في العاصمة الفرنسية باريس منذ عدة أيام تحت شعار "إيران تتحرر" باللغات الفارسية والفرنسية والانكليزية وبحضور نواب ورؤساء بلديات ووزراء سابقين من فرنسا وأميركا وبريطانيا والدول الخليجية ووفود إعلامية. وجهت رئيسة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية السيدة مريم رجوي مجموعة رسائل على خلفية الحراك الذي يشهده الشارع الإيراني ومطالبة المعارضة الإيرانية بالتغيير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، مشددة في خطابها على تهالك النظام، وأكدت على أن إسقاط النظام أمر محتوم والانتصار أمر مؤكد وإيران تتحرر. 

وكانت إيران شهدت مؤخرا موجة من الاحتجاجات في طهران وعدة مدن أخرى أغلق خلالها التجار متاجرهم في سوق طهران البازار تعبيرًا عن غضبهم من انخفاض قيمة العملة الوطنية. وهذا يعني أن الأمور في إيران تسير نحو الأسوأ في ظل فشل السياسات الإيرانية ورغم التعتيم الإعلامي. 

إلا أن المعلومات الواردة من طهران التي تخترق الحجب تؤكد على أن الوضع الاجتماعي في إيران يشبه إلى حد كبير الجمر تحت الرماد.