يعرف رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل جيّداً مدى الأثر الإيجابي الذي تتركه إثارة ملف النازحين على وجدان الرأي العام المسيحي، ويدرك أنّ إمساكه القضية، ولَو بعنوان إنساني - إجتماعي، سواء على المنبر المحلي أو على المنابر الدولية، يزيد من رصيده عند جمهوره. وهذا ما يرفع من منسوب حماسته وإصراره على تغليب الملف على غيره من القضايا التي يُشاكس «التيار» في سبيلها. والأخيرة لم تعد بالكثيرة.
 

لعلّ هذا الاعتبار هو الذي يُحرج القوى المسيحية الأخرى، ولو أنّها غير مقتنعة بحيثيات الملف، ولا بأساساته البنيوية، ويحملها الى خندق المزايدة على باسيل، خلافاً لمسارها السياسي خصوصاً في ما يخصّ مسألة العلاقة مع سوريا وموقفها من الحرب الدائرة خلف الحدود اللبنانية، فقط لأنّ الأصداء في الشارع المسيحي ستكون حكماً لمصلحة من يُنادي بالعودة السريعة للسوريين الى بلادهم بعد أكثر من 7 سنوات على بدء الحرب.

لا بل أكثر من ذلك، يقول أحد المعنيين إنّ وزير الخارجية، كما غيره من القوى السياسية، على اقتناع تام بأنّ التطورات الميدانية السورية ستفرض وقائع سياسية جديدة تُرخي بثقلها على الجار اللبناني بكل تلاوينه الطائفية واصطفافاته، وبالتالي ما كان سارياً قبل سنوات، لن يكون له مكانة بعد أشهر قليلة على أجندة القوى السياسية.

وها هو الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله يلاقي حليفه «البرتقالي» في هذا الشأن، من خلال فتح كوّة في باب، ينتظر أن يشرّع مع الوقت، من خلال طرح مبادرة تقوم على أساس «التواصل مع النازحين السوريين، وتسجيل أسماء من يريد العودة، وعرض الأسماء على الدولة السورية، والتعاون مع الأمن العام اللبناني لإعادة أكبر عدد ممكن من النازحين الذي يرغبون بالعودة الطوعية».

عملياً، لا تُفهم هذه المبادرة، وفق أحد المعنيين، الّا من باب التطورات السياسية التي قد تفرض نفسها على الحكومة العتيدة خلال المرحلة المقبلة. فالحوار بين «حزب الله» وسوريا لا يحتاج إلى إعلان ولا سبب إنساني - إجتماعي لكي يُضفي عليه شرعية.

ولا حاجة لاستعادة شريط الزيارات التي سبق وقام بها وزراء لبنانيون الى دمشق «بصفتهم الشخصية»، كما برّر مجلس الوزراء الخطوة، واضعاً رأسه في الرمال كي لا ينسف جدار «النأي بالنفس» المفترض أنه ملتزم به. واللافت أنّ الخطوة أتت بعد أسبوعين على تعيين السفير سعد زخيا على رأس بعثتها الدبلوماسية في دمشق. وهو قدّم، بصفته سفير الجمهورية اللبنانية، أوراق اعتماده إلى الرئيس السوري بشار الأسد... وبعد أيام على توقيع وزير المال علي حسن خليل قرار صرف اعتمادات ثمناً للكهرباء التي يشتريها لبنان من سوريا.

إذاً، الخرق حاصل. وثمّة معلومات تتحدث عن خطوات مماثلة قد يقوم بها وزراء لبنانيون في وقت قريب، فيما الحوار «الموضعي» الذي يقوده المدير العام للأمن العام عباس ابراهيم حول قضايا تقنية محددة، كَسرَ منذ زمن جبل الجليد القائم على الحدود منذ اندلاع الحرب السورية.

ولكن ماذا لو أخذت الأمور مَنحى أكثر عمقاً؟

يقول أحد المطّلعين إنّ رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، كما غيره، يعرف تماماً أنّ كأساً مرّة تنتظره على طاولة الحكومة العتيدة، سواء تَطلّب الأمر أسبوعاً أو أشهراً لكي يفرض نفسه على الطاولة المستطيلة. لكنّ الاشكالية ستكون حتماً له بالمرصاد.

وفق هؤلاء، فإنّ ملف العلاقات مع سوريا، على المستوى الحكومي، سيعود الى واجهة اهتمامات الحكومة المقبلة، إن من خلال طلب الحكومة السورية التعامل معها بِنديّة لمعالجة القضايا المشتركة العالقة، وأهمها تلك المتّصِلة بالنازحين، أو من خلال حلفائها اللبنانيين الذين قد يبادرون الى إثارة هذه المسألة بالتزامن مع الضغط الذي يمارسونه لتسريع عودة النازحين الى المناطق الآمنة.