تتنوّع التعقيدات التي تعوق تأليف الحكومة، وتتداخل معها عوامل داخلية وخارجية متعددة تثير مخاوف من دخول لبنان مرحلة تصريف اعمال حكومية طويلة لتعذر الاتفاق داخليا، وخارجيا ايضا، على تشكيلة وزارية هي ليست المشكلة شكلاً وإنما مضموناً من حيث دورها في هذه المرحلة الدقيقة والمراحل المشابهة التي ستليها لبنانيا واقليميا ودوليا.
 

تتعدّد التفسيرات للمواقف السياسية ومطالب الاستيزار التي يقال إنّها هي معوِّق تأليف الحكومة، ليتبين انّ الخلفيات الاقليمية لبعض هذه المواقف والمطالب هي المعوق الاول.

«طائفياً» (نسبةً الى «إتفاق الطائف») يخرق المشتغلون في التأليف الحكومي بغالبيتهم هذا الاتفاق من رأس الهرم حتى قاعدته، فـ»الطائف» يقول بتأليف حكومات وحدة وطنية في كل زمان ومكان لأن هذا «الطائف» أناط السلطة التنفيذية بمجلس الوزراء مجتمعاً وضامّاً تمثيلاً لكلّ المكونات السياسية والطائفية بعدما كانت هذه السلطة قبله في يد رئيس الجمهورية حصراً. وهذا يعني انّ الحكومة يجب ان تكون من كل الالوان والاطياف السياسية والطائفية والمذهبية كلّ حسب حجمها التمثيلي على المستويين السياسي والطائفي.

بَيد أنّ المتتبعين للتأليف المتباطئ يرون أنّ ما يعوقه هو التوجسات والمخاوف المتبادلة التي بدأت تسود، خصوصا بين القوى الاساسية المعنية بالتأليف، حيث انّ كلّ منها يربط مواقف الآخرين بخلفيات منها الداخلي، ومنها الخارجي، ثم يُسقطها على ارض الواقع، فيخرج باستنتاج انّ هذه الجهة الخارجية او تلك تريد النَيل منه او تريد اخضاعَه وتريد كذا وكذا... الامر الذي بدأ يرسم مشهداً سياسياً يدل الى انّ الجميع مربَك أو محرَج، وأن لا ضيرَ من انتظار الى حين تغييرِ واقع الحال في الداخل والخارج، ويُفرج عن الحكومة الموعودة.

رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، يخشى جدّياً من أن يكون هناك من يفكر في تسديد ضربة معنوية لعهده، عبر تأخير الولادة الحكومية بضعة اشهر، او الى أمد طويل، والبعض يقلل من ضررِ التأخير لأنّ هناك حكومة تصرّف الاعمال يرأسها الرئيس سعد الحريري نفسه المكلف تأليف الحكومة الجديدة، وانه مهما تأخّر التأليف أو حصلت تطوّرات واحداث تعوقه فإن الحكومة الحالية تستطيع مواجهتها بالتعاون مع رئاسة الجمهورية والمجلس النيابي، إذ تحت عنوان «مصلحة الدولة» لا فراغ مطلقاً يحصل في أي سلطة.

ويقال انّ عون غير مرتاح الى حركة الحريري «البطيئة» في التأليف، وكذلك غير مرتاح الى مواقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط المطالِبة بالحصة الوزارية الدرزية كاملةً له، وغير مرتاح أيضاً الى موقف رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع الذي يريد خمسة وزراء وحقيبة سيادية معطوفة على منصب نائب رئيس مجلس الوزراء. ويذهب البعض في هذا الصدد الى الحديث عن «حلف ثلاثي» يضم الحريري وجعجع وجنبلاط يخوض معركة التأليف في وجه عون، من دون ضرورة لأن يرقى هذا الحلف الى مستوى إعادة إحياء فريق 14 آذار.

وثمّة من يقول انّ إرادة اقليمية ما تكمن خلف «تريّث» الحريري في التأليف و»التمسّك» الجنبلاطي و»القواتي» بالمطالب الوزارية المعلنة. ويتحدث مؤيّدو عون ايضاً عن أنّ هذا الارادة الاقليمية غايتها الضغط على رئيس الجمهورية لتغيير خياراته السياسية على المستويين الداخلي والخارجي، بما يجعله في منأى عن حلفائه وعلى رأسهم «حزب الله».

ولكن بعض المتتبعين لحركة التأليف والمؤلفين، وكذلك لـ«العازفين» على اوتار التوزير، و»مؤلفي» الحصص الوزارية، ان «الحراجة» الشديدة التي يواجهها رئيس الجمهورية، توازيها حراجة لا تقل شدة عنها يعيشها الحريري الذي يقول مواكبون لحركته أنه حريص على التأليف سريعاً لرغبته التأسيس من خلالها للبقاء في سدة الرئاسة الثالثة، وأنه مستعد للتوافق على كل شيء مع عون، ولكنه في الوقت نفسه لا يستطيع الذهاب بعيدا في هذا التوافق، خصوصا اذا بلغ به الامر حد تلبية كل مطالب عون وحلفائه الذين يبينهم وبين حلفائه الاقليمين «ما صنعه الحدّاد»، الى درجة ان حلفاء الحريري لا يرون ضيرا في تأليف حكومة تخلو من حلفاء رئيس الجمهورية وفي مقدمهم حزب الله.

وانطلاقا من ذلك، يؤكد المتابعون، انه مثلما لا يستطيع الحريري وحلفائه الخروج على ارادة حليفهم، أو حلفائهم الاقليميين، فإن عون وحلفائه ليس في استطاعتهم الخروج على ارادة حلفائهم الاقليمييمن.

ويتبين من كل هذا ان الحريري وحلفائه لا يمكنهم التسليم بكل ما يريده الفريق الآخر، ولكن ما فارق أن الحريري يدرك أنه لا يستطيع الخروج من السلطة، لان مثل هذا الخروج قد يرتب عليه خسائر سياسية قد يكون افدحها البقاء خارج السلطة طويلا لمصلحة آخرين يمكن ان يتم تكليفهم تأليف الحكومة وفي مقدمهم الرئيس نجيب ميقاتي، او أحد النواب السنة العشرة المحسوبين على فريق 8 آذار والذين يرفض تمثيلهم بوزير،على الاقل، في الحكومة حسبما يطالبون.

وبين المتابعين للتأليف من يقول ان جنبلاط يمكن في لحظة ما أن يدخل في تسوية يقبل بموجبها الحصول على وزيرين درزيين وثالث مسيحي تاركا للعهد الوزير الدرزي الثالث (من حصة الطائفة الدرزية) ليتم توزير النائب طلال ارسلان، وذلك على قاعدة ان جنبلاط، وفي لحظة سياسية ما، ربما يحتسبها لجهة ان لا مصلحة له في الدخول في اشتباك مع العهد وحلفائه لاعتبارات داخلية واقليمية معينة.

ربما يكون جعجع الوحيد المستعد للسير في موقفه الى النهاية، حتى ولو اضطر الى عدم المشاركة في الحكومة اذا لزم الامر، تمشيا مع موقف حلفائه الاقليميين الذين يلتقي معهم في الخيارات اللبنانية والاقليمية الراهنة وربما المستقبلية.

على ان بين السياسيين المتابعين من يقول ان هناك نزاعاً اقليمياً يتحكم بكل المواقف في لبنان والمنطقة، فالجمهورية الاسلامية الايرانية وحزب الله وحلفائهما الآخرين يرون ان المنطقة مقبلة على تطورات دراماتيكية، ولذا فإنهما يدفعان في إتجاه تأليف حكومة لبنانية صلبة تشكل شبكة حماية وأمان لهما في الخاصرة اللبنانية، ولذلك فأن ما يطلب به «الحزب» وحلفائه حكومياً يصب في هذا الاتجاه.

وفي المقابل فإن المملكة العربية السعودية وحلفائها يقولون بعكس ذلك، وهو أنه اذا كانت هناك تطورات دراماتيكية مقبلة على المنطقة فلا ينبغي ان تؤلف حكومة تحمي حزب الله وإيران وانما تأليف حكومة تحملهما مسؤولية التدهور القائم في المنطقة...