«هناك صراحة وثقة بين الطرفين»، هكذا تُلخّص مصادر قريبة من الثنائي الشيعي الزواجَ الماروني بين «حزب الله» وحركة «أمل»، المُتساكنين في السرّاء والضرّاء، وما مِن أسباب ظاهرة مُبطلة لعقدهما الروحي. أمّا «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» فتَحول موانعُ عدة، غير مُقتصرة فقط على «اللاصراحة واللاثقة» دون عقدِ قرانِهما. فحتى الوثيقة الرسمية الوحيدة التي جمعتهما، فرّقتهما تفسيراتُها المتعارضة.
 

وكأنّ الكرسي هي «صليب» المسيحيين، والموارنة خصوصاً، وسبب الشرخ السياسي بينهم. فالنزاع الماروني - الماروني، بدأ منذ اختلاف جماعة مار مارون في ما بينها على مكان دفنِ أبي الطائفة، فأصرّت كلّ مجموعة على دفنه في ضيعتها أو منطقتها.


وعلى رغم محاولة البعض القول إنّ هناك ثنائية مسيحية مشابهة للثنائية الشيعية برزت بعد الانتخابات النيابية الأخيرة بين «القوات» و«التيار»، إلّا أنّ التشبيه بين الثنائيتين غير واقعي:


• أوّلاً، على صعيد التمثيل، وعلى رغم بروز أصوات معارضة، إلّا أنّ تمثيل الطائفة الشيعية وبإرادة ناخبيها، ما زال محصوراً بالثنائي الشيعي «حزب الله» وحركة «أمل»، (26 من 27 نائب شيعي مع الإشارة إلى أنّ النائب مصطفى الحسيني غير المنتمي فعلياً لأيّ طرفٍ من الثنائي قريب من الرئيس نبيه بري ولا يبتعد سياسياً عن خيار المقاومة). فيما أنّ التمثيل المسيحي لا ينحصر بـ«القوات» و«التيار»، فتضمّ كتلة «القوات اللبنانية» 15 نائباً، فيما يضمّ تكتل «لبنان القوي» الذي يُشكّل «التيار» مدماكه 29 نائباً، على رغم من أنه يضمّ شخصيات مستقلة لها حيثياتها وشعبيتها الخاصة غير المؤيّدة ضرورةً لسياسة «التيار».


• ثانياً، «حزب الله» و«أمل» روح واحدة في حزبَين، الفريقان متّفقان استراتيجياً ويحملان الخطاب السياسي نفسَه وإن بنبرةٍ مختلفة، فيما أنّ لكلّ من «القوات» و«التيار» خطابين سياسيين متعارضين.


• ثالثاً، الحلف بين «حزب الله» و«أمل» شامل وأعلى تراتبياً من أيّ حِلف بين أحد الثنائي وطرف آخر، حتى على الصعيد الانتخابي، فيما التفاهم بين «القوات» و»التيار» لم يُثمر حتى الآن إلّا انتخابَ العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية.


• رابعاً، الأولوية لـ«حق» الطائفة، والحق يكون محفوظاً بالنسبة الى الطرفين بمعزل عمّن أُعطيَ منهما، ويُكمِّل «حزب الله» و«أمل» بعضهما ويَجمعان قوّتهما «الشيعية» ويُجيّرانها لاسمِ الطائفة، فيما يستخدم كلّ من «التيار» و»القوات» حجمه التمثيلي المسيحي للاستقواء على الآخر وحصدِ حصصٍ وزارية أو إدارية... أكثر من الآخر.


وفيما كانت تكثر الأقاويل حول مطالبة «حزب الله» بحقيبة وزارة الداخلية على رغم إصرار بري على الاحتفاظ بحقيبة وزارة المال، ما يعني أنّ من المُفترض بروز مواجهة شيعية - شيعية بين الثنائي، إذ إنه يحقّ عِرفاً للطائفة الشيعية تسلّمُ حقيبة سيادية واحدة، وكلّ من وزارتي الداخلية والمال سياديتين... تلقَّف الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله رغبة بري العلنية الاحتفاظَ بوزارة المال فشدّد عليها بدوره، مانعاً الإشاعات أو محاولة أيّ طرف الاصطيادَ بالماء العكرة ومحاولة زعزعة «الوحدة» الشيعية. وبالتالي لم تبرز عقدة شيعية إلى جانب العقد السنّية والدرزية والمسيحية المُعرقلة لتأليف الحكومة.


أمّا على صعيد «الثنائي» المسيحي فلا يكاد البلد يتنفّس الصعداء حين يسمع كلاماً إيجابياً من أحد الطرفين، حتى تشتعل نار النزاع التي لا تنطفئ بينهما، على صعيدَي القيادة والقاعدة.


لا شكّ في أنّ «تفاهم معراب» كسَر القطيعة الطويلة بين الطرفين وساهمَ أساساً في تقبّلِ قواعد الحزبين المسيحيين بعضهما لبعض. إلّا أنّ متابعين للعلاقة بينهما يقولون «إستبشَرنا خيراً» بـ»تفاهم معراب»، وأملنا أن ينتج منه انبعاثات قوّة للمسيحي وللبناني وللبنان، لا أن يكون رافعة قوّة للطرفين فقط، ما يلبث أن يتنازع كلّ طرف على سحبها من تحت رِجلي الطرف الآخر.


فهل مِن أمل في أن يحلّ «الروح القدس» على «تفاهم معراب»؟
توضح مصادر «القوات» لـ«الجمهورية» أنّ الفلسفة الأساسية للتفاهم بين «القوات» و«التيار» قائمة على قاعدة أنّ «ما يتعدّى تحقيقه ميثاقياً على يد كلّ من «القوات» و«التيار» منفرداً يمكن تحقيقه من خلال تفاهمِهما بعضهما مع بعض. وهذا التفاهم أوصَل عون إلى قصر بعبدا وإلى ولادة قانون انتخاب هو الأكثر تمثيلاً بين القوانين الانتخابية منذ عام 1992.


وتجد هذه المصادر أنّ الفارق بين ثنائية «التيار» و«القوات» وثنائية «حزب الله» وحركة «أمل» أنّ الثنائية الشيعية تحالفية فيما الثنائية المسيحية أفرزَتها الانتخابات النيابية، وهي ثنائية تنافسية لا تحالفية. وتقول إنّ «التنافس الديموقراطي أدّى إلى بروز هذه الثنائية»، مشيرةً إلى «أنّ «التيار» و«القوات» هما القوّتان الأكبر مسيحياً، والفارق كبير بينهما وبين الثالث الذي يأتي بعدهما».


ولكن علامَ يختلف «التيار» و«القوات»؟
تجيب المصادر: «هناك اختلاف في المقاربة، وطريقة بناء الدولة». وتشدّد على أنّ المعيار الذي يجب أن يعتمده الثنائي المسيحي هو «أن نلجأ إلى الحوار وليس إلى القطيعة السياسية، وأن يكون الخيار الأساسي لبتّ أيّ خلاف هو الدولة والدستور والقوانين».


أمّا النائب ألان عون الذي يعتبر أنّ «التفاهم كان من المُفترض أن يأخذنا إلى مرحلة شراكة»، يقول لـ«الجمهورية» إنّ «القوات» سلكت طريقَ التنافس ومزاحمة «التيار»، ما وضَع كلَّ طرف في موقع مختلف وأدّى إلى تجاذب في الحكومة، وانعكسَ سلباً على التفاهم. فمنطقُ المزاحمة لم يسمح لـ«القوات» أن تتعاون مع «التيار»، ما أدّى إلى تدهورِ العلاقة بين الطرفين».


وبالنسبة إلى الناحية الميثاقية، فيرى عون أنّ «الذي يسعى فعلاً إلى تصحيح الوضع المسيحي في السلطة هو «التيار»، من خلال قانون الانتخاب والتوازن الطائفي في الوظائف... فأداء «التيار» يَهدف إلى إعادة المسيحيين إلى مواقع القرار والسلطة والدولة».


هل يُمكن تعزيز العلاقة بين «التيار و«القوات»؟
يجيب عون: «على «القوات» أن تغيّر أداءَها ومقاربتها للعلاقة، كذلك عليها إيقاف معركة الأحجام مع «التيار».