قرارات الحكومة المقبلة ستبقى رهينة التوافقات السياسية المسبقة لأي إجتماع حكومي
 

القدرة على تعطيل القرارات المصيرية أو التهديد بالإستقالة والإطاحة بالحكومة المقبلة هي عُقدة أيضاً تُعرقل تشكيل الحكومة ، ولعلها القطبة المخفية في تأخير تشكيلها حتى الآن .

وإن كان صحيحاً أن فترة تشكيل الحكومة لم تدخل مرحلة المحظور حتى الآن ، وهي فترة لا تزال طبيعية مقارنة بفترات تشكيل الحكومات السابقة ، إلاّ أن هذا لا يعني أن العقد الحالية ومنها عقدة الثلث المعطّل سهلة .

ولطالما كانت عقدة الثلث المعطّل أي ثلث أعضاء الحكومة + ١  والوزير الملك أساسية في تشكيل حكومات ما بعد إتفاق الدوحة ٢٠٠٨ ، وكانت مطلب قوى ٨ آذار حينها المتحالفة مع التيار الوطني الحر . لكن في مرحلة ما بعد التسوية الرئاسية والإنتخابات النيابية الأخيرة ، ظهر بشكل جلي أن " ثنائية ٨ و١٤ آذار " قد إختفت كلياً وظهرت معادلات سياسية جديدة  تستمدّ قوتها من التحالفات السياسية العابرة لهذه الثنائية .

رغم ذلك ، يبدو أن عقلية الثلث المعطّل عادت لتدغدغ عقول بعض القوى السياسية ، فبدأوا بإعداد حساباتهم الوزارية على هذا الأساس .

 

إقرأ أيضا : التّعثُر الحكومي .. رؤساء يمرعون ويلهون، يؤمّلون أن يُعمروا عمر نوح

 

 

والثلث المعطّل يعطي الطرف السياسي الذي يحوز عليه القدرة على تعطيل القرارات ال ١٤ الكبيرة التي نصّ عليها الدستور اللبناني ، وقدرة إقالة الحكومة كما نصّت المادة 69 ، وإن لم يتم ذكر عبارة " الثلث المعطّل " أو " الثلث الضامن " مباشرة قي الدستور .

وذكرت المادة 69 المعدلة بالقانون الدستوري الصادر في 17/10/1927 والملغاة بالقانون الدستوري الصادر في 8/5/1929 والمنشأة بالقانون الدستوري الصادر في 21/9/1990 ما يلي:

 

" 1- تعتبر الحكومة مستقيلة في الحالات التالية:

 أ- إذا استقال رئيسها. 

ب- إذا فقدت اكثر من ثلث عدد أعضائها المحدد في مرسوم تشكيلها. 

ج- بوفاة رئيسها. 

د- عند بدء ولاية رئيس الجمهورية. 

ه- عند بدء ولاية مجلس النواب. 

و- عند نزع الثقة منها من قبل المجلس النيابي بمبادرة منه أو بناء على طرحها الثقة."

 

وفيما يتعلق بالقرارات ال ١٤ التي بحاجة إلى موافقة ثلثي الأعضاء فهي التالية كما نصّت عليه (المادة 65 )المعدلة بالقانون الدستوري الصادر في 21/9/1990  حيث يذكر البند ٥ من المادة التالي: 

"... أما المواضيع الأساسية فإنها تحتاج إلى موافقة ثلثي عدد أعضاء الحكومة المحدد في مرسوم تشكيلها. ويعتبر مواضيع أساسية ما يأتي: تعديل الدستور، إعلان حالة الطوارئ وإلغاؤها، الحرب والسلم، التعبئة العامة، التفاهمات والمعاهدات الدولية، الموازنة العامة للدولة، الخطط الإنمائية الشاملة والطويلة المدى، تعيين موظفي الفئة الأولى وما يعادلها، إعادة النظر في التقسيم الإداري، حل مجلس النواب، قانون الإنتخابات، قانون الجنسية، قوانين الأحوال الشخصية، إقالة الوزراء."

 

إقرأ أيضا : تشكيل الحكومة (هبة باردة وهبة ساخنة)

 

 

في الحكومة المتوقع تشكيلها ، لا يبدو هناك وجود أي تفاهم سياسي ثابت ، حتى التفاهم بين الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسيل تعرّض بعد إجتماع باريس لخضّة سياسية ، وبالتالي يطمح الجميع في السيطرة على قرار التعطيل داخل الحكومة كورقة ضغط في الإستحقاقات المقبلة .

وفي خارطة هذه التفاهمات ، الثابت الوحيد هو تفاهم الثنائية الشيعية والذي سيحصل على ٦ وزراء من أصل ٣٠ في الحكومة المقبلة ، وهو بحاجة إلى ٥ وزراء إضافيين ليحصل على الثلث المعطّل ( ثلث عدد  الوزراء + ١ ) الذي يعشق هذا التحالف أن يسميه ب " الثلث الضامن ".

ومن أجل ذلك ، بدأت تتحرك المعارضة السنية المطالبة بتوزيرها وعينها على وزارتين ( ٢ ) مع وزارة للمردة ، ويبقى رهانها وبالأخص الرئيس نبيه بري على حصّة الحزب التقدمي الإشتراكي (٣ وزراء ) في حال حدوث أي إستحقاق، وبهكذا حسبة تكون تحالفات الثنائية قد أمّنت الثلث المعطّل في   الحكومة، لكن دون ذلك صعاب كثيرة كون الحريري سيقطع الطريق على ذلك.

البعض يرى أن حصّة رئيس الجمهورية ميشال عون والتيار الوطني الحر في الإستحقاقات الكبيرة ستصطف إلى جانب الثنائية ، وهو أمر أقرب إلى الصواب ، ما يعيد إحياء تحالف ٨ آذار القديم مع التيار .

لكن في الإستحقاقات الصغيرة ، ستتقاطع مصالح التيار مع الرئيس الحريري ، وهما معاً بإستطاعتهما تأمين حصّة وزارية أكبر من الثلث المعطّل .

مع هذا يحاول العهد ومعه التيار الحصول على هذا الثلث بقدراتهما الذاتية دون منّة من أحد ، وهو يفاوض على حصّة من ١٠ وزراء للتيار والعهد ، أما الوزير ال ١١ فسيكون الوزير الملك من حصّة كتل أخرى.

هذا السيناريو يبدو مستحيلاً وصعباً ولن تقدمه القوى السياسية هدية للعهد والتيار لأن هذه القوى تدرك بأنه في حال حصول ذلك فإن تيار الرئيس سيسيطر على الرئاستين الأولى والثالثة ، وهذا خلل ميثاقي وخطر سياسي إستراتيجي كبير .

لذلك فإن الأرجح أن تقتصر حصّة التيار والعهد على ٩ وزراء فقط. 

بالمقابل ، في حال حصلت القوات اللبنانية على ٥ وزراء رغم رفض باسيل لذلك ،  فإنها مع الرئيس الحريري ستضمن السيطرة على الثلث المعطّل في الحكومة( المفاوضات الحالية تُعطي القوات فقط ٤ وزراء وهي تطالب ب ٥).

كل هذه السيناريوهات قابلة للتغيير بحكم المفاوضات الحاصلة ، لكن الأكيد أن لا طرف سياسي في البلد بإستطاعته تأمين الثلث المعطّل في البلد دون التحالف مع طرف سياسي آخر .

وقرارات الحكومة المقبلة  ستبقى رهينة التوافقات السياسية المسبقة لأي إجتماع حكومي.