الثابت الوحيد حتى الساعة في حكومة الرئيس سعد الحريري المستقبلية انه ما زال متمسّكاً برفضه التمثيل السني المعترض فيها، بل انه يرفض حتى النقاش فيه.
 

تقول مصادر قريبة من تيّار «المستقبل» انّ الحريري الذي رفض في الماضي ترؤس حكومة شارك فيها «حزب الله»، ثم عاد وتنازل مترئساً «حكومة استعادة الثقة»، دفع الثمن شعبوياً وسعوديّاً، وما زال حتى الآن يقدّم تنازلات خدمة لـ«المصلحة العامة»، ولكن أن تقدّم الحكومة الحريرية مقعدين سنيّين من حصّة الطائفة السنّية للمعارضة، فهذا ما ليس مسموحاً الّا اذا كان المطلوب كسر الحريري، فهل مسموح اليوم كسره؟


الحكومة الجديدة الذي اعتبرها رئيس البلاد «حكومة العهد» يعتبرها أيضاً رئيسها الحريري «حكومة الثقة» التي استعادها بتأييد 111 نائباً، كما هي أيضاً «حكومة الثقة» التي استعادها من المملكة العربية السعودية، الراعي الأهم لمسيرته وحيثيته السياسية، والتي لن تقبل بأن يُكسَر في حكومة «العهد العوني» الذي قبل به وفق شروط يعتبر أنها لم تنفّذ حتى اليوم. ولأنّ كسر الحريري هو كسر لهيبة المملكة التي تجهد لتعزيز مصالحها لبنانيّاً، فإنها لفتت نظر الحريري الى وجوب التمسّك بالثوابت ولو اضطره الأمر للتضحية بالحكومة وبرئاستها. وهذا فعلاً ما لوّحَ به الحريري عندما لمس تشبّثاً سنياً ودرزياً ومسيحياً معارضاً، فهدّد بالانسحاب من رئاسة الحكومة، أمّا نفي ما سُرّب عن لقائه ورئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل في باريس فليس دقيقاً، لأنّ الحريري أبدى فعلاً استياء من العرقلة الداخلية لتأليف الحكومة بعدما اتفق مع الخارج على الثوابت، ما دفعه الى الاعلان جدياً عن استعداده للانسحاب من رئاسة الحكومة اذا استمر الفريق المعارض على موقفه.


وفي السياق لم يخف على أحد تصريح رئيس الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني الذي سَبّب إحراجاً للحريري وللمملكة وحتى لـ«حزب الله»، الذي سارَع قياديّون منه الى الرد على سليماني. وفي هذا السياق تؤكد أوساط الحزب انّه يؤيّد الإسراع في تأليف الحكومة اكثر من اي وقت مضى وأكثر من أي طرف، وانه لم يتردد في تقديم التسهيلات والوساطات والتنازلات مع فارق وحيد ان لا تكون من حصة التمثيل الشيعي كما في الحكومات السابقة. زِد على ذلك انّ الحزب يُدرك ضمناً انّ «هيمنته» السياسية أو العددية على مجلس النواب هي حقيقة حتى لو لم تكن ظاهرية، ولذلك إرتأى ضرورة القبول بمشهد متوازن لصورة الحكومة الجديدة مع واقع صورة المجلس الجديد، فأبدى حكمة وتجاوباً مع الحريري لحلحلة العقد التي يمون فيها.


وحسب المعطيات والاجواء السائدة فإنّ الحريري، الذي لن يشكّل الحكومة هذا الاسبوع، يجهد ويناور ويحاور للحصول على 6 وزراء له فيها، امّا اذا ترك تسمية وزير سنّي لرئيس الجمهورية فسيستبدله معه بتسمية وزير ماروني يكون من حصته (والأرجح انه سيكون مستشاره الوزير غطاس الخوري). امّا بالنسبة الى مسألة تمثيل سُنّة المعارضة فيبدو انها ليست محسومة حتى الساعة، فالحريري ليس في وارد التخلّي عن مقعد وزاري سني آخر من حصته.

مستجدات برزت
وفيما لم يتمكن الحريري حتى الآن من تأليف الحكومة لعوامل داخلية وخارجية، برزت مستجدات مسيحية تتمثّل بموقف لرئيس الجمهورية لا يلبّي تطلعات «القوات» التي عوّلت عليه لإنصافها من حيث حجمها في الحكومة، خصوصاً اذا صحّ ما نقل عن لسان عون بأنّه قيّم حجم التمثيل «القواتي» بـ 3 وزراء فقط، وبذلك لم يُلبّ طموح «القوات» التي راهنت على «أبوّته» عندما أكدت أنها «واثقة من احترامه للوثيقة الأخوية» وإنصافه لها.


وتخيّم أجواء ضبابية على العلاقة بين «التيار الوطني الحر» و«القوات»، ويسجّل فيها الطرفان بعض المواقف الإعلامية التي تنفي القطيعة لضرورات شعبية، الّا أنّ الحقيقة تكشف الواقع مثلما يكشفه غياب الحوار المباشر حتى الساعة بين الجانبين. وتفيد معلومات بأنّ باسيل ما زال يتواصل فقط مع الحريري في شأن التشكيلة الوزارية المسيحية، ولم يحصل أي لقاء بينه وبين جعجع لإيجاد الحل، وعلى رغم ما حصل من تسريب قبل أسبوع عن لقاء من هذا النوع فإنه لم ينعقد حتى الساعة.


واللافت كان تعليق أوساط تيّار «المستقبل» على ما سَمّته «المناورة المسيحية» بالقول: «انّ الحريري يجهد اليوم لتحصيل حقوق المسيحيين عبر إنصاف «القوات اللبنانية»، إذ انّه يؤخّر تأليف الحكومة بسببها، فيما مصدر الرفض هو الرئيس أو الفريق «المسيحي الأول» الذي يفترض أن يكون المدافع الأول عن حقوق المسيحيين، حتى ولو فاضَت!».