لم نشاهد في الجمهور المشاهد المعتادة في المناسبات الإيرانية لا شادور ولا محجبات ولا حرس ملتحي ولا شيء من مظاهر إيران الرسمية
 

بكى الإيرانيون لخروجهم من المونديال وعدم الصعود الى الدور الثاني بعد أن تعادلوا بشرف مع فريق البرتغال وأبدى الإيرانيون اللاعبون والملتفون حولهم من جمهور غفير شعوراً وطنياً كبيراً على غرار الشعوب المؤمنة بدولها وأوطانها وهذا ما دلّ على حقيقة شعب لا علاقة له بهذه التعاسة التي ينشرها النظام من خلال ثقافة الحروب والموت.


كان اللاعبون والمتفرجون من بلاد فارس نسخة غير طبق أصل عن اللاعبين في السياسة الفارسية شكلاً وجوهراً وكانت رسالتهم الإنسانية واضحة لا لُبس فيها فهم بكوا لخسارة منتخبهم الذي أجاد اللعب مع البرتغال في مظهر من مظاهر الإحتفال بالمونديال وبطريقة طبق الأصل عن الآخرين من المحتفلين ولم يكونوا حالة شاذة فهم أدّوا أدوارهم تماماً كما هي الاستعراضات المعتادة فلوّنوا وجوههم و أجسادهم بالأعلام الوطنية وكتبوا عليها أسماء نجومهم وهتفوا ورقصوا وغنوا طيلة لعب منتخبهم الوطني كبشر أحياء تقودهم رغبة الحياة الى الإستمرار كمجموعة بشرية مندمجة لا ككتلة بشرية مختلفة عن الطور الإنساني في ماهيته التاريخية.


لم نشاهد في الجمهور المشاهد المعتادة في المناسبات الإيرانية لا شادور ولا محجبات ولا حرس ملتحي ولا شيء من مظاهر إيران الرسمية مما دلّ على خلل واضح في بنية النظام الذي يفرض أوامر بعصاً غليظة ولو انه ترك للإيرانيين حريتهم لاختاروا حريتهم التي يعبرون عنها خارج إيران وهذه هي مشكلة النظم المستبدة انها تفرض بالعنوة والقوّة خياراتها ولا تترك للناس حرية الإختيار باعتبارها آلهة تفرض على البشر صنع ما لا يحسنون صنعه لعدم معرفتهم بجميل الصناعة الفقهية لا في حياتهم ولا في مماتهم.

 

إقرأ أيضًا: ماراتون حكومي بين بعبدا وعين التينة فهل يكسب سعد قصب السبق؟

 

تفرض الأنظمة الموكل اليها حكم الشعوب بتفويض من الله ما لا ترضاه الشعوب وهذا ما جعل منها أنظمة بلا شرعية كونها لا تستند في شرعية حكمها الى الشعب وما اتباع النظم الجديدة في الحكم الاّ من باب الضرورة فتلجأ الى انتخابات شكلية لمجاراة العالم المتحضر في" بدعة الديمقراطية".


من هنا برز في إيران وجود مجتمعين نقيضين من اللباس الى طرق أخرى خاصة وعامة ولكل مجتمع خصوصيته وكان ذلك راقياً لو أن المجتمع المدني يمارس فهمه للحياة داخل إيران لا خارجها تماماً كما يمارس المجتمع الديني دوره داخل إيران ويبدو أن كثرة الضغط على المجتمع المدني من قبل أجهزة التأديب والرقابة كفيلة في دفع الإيرانيين الى الاعتراض على سياسات النظام الذي أدخلهم في جهنم الحروب التي لن تجعل من إيران حرساً متقدماً في منطقة الشرق الأوسط لأن الحروب تستنزف قدرات الدولة وترهق الشعب وهذا ما هو حاصل في إيران من فراغ فعلي لعناصر القوّة فالدولة تصرف إمكانياتها على الحروب والشعب يرزح تحت عبء نتائج هذه الحروب.


إن الرهان الدائم والمستمر على مدنية المجتمع يفتح المجال دائماً أمام السلطة لتحسين شروط الحكم ضمن نشاط جمعي لا نخبوي يصادر الحقوق ويمنع المشاركة والشراكة كونها حقاً مكتسباً للفرد الذي خصه الله بنعمة السلطة وهيّأ له أدوات تثبيت السلطة من خلال السيوف و الفؤوس والتيوس الذين ينفذون أحكام القتل بقلب بارد.


كانت إيران الكرة لا الدولة النووية دولة شبيهة بالدول الطبيعية تماماً كما كانت السعودية التي تشابه إيران لناحية حاجة الشعب لمدنية مريحة اذ عكس السعوديون رغبتهم ونزعتهم للحياة المدنية داخل المملكة لا خارجها فقط وان يحظوا بفرصة العيش في بيئتهم كما يحظون بها خارج وطنهم حتى لا تبقى الحرية الشخصية والعامة مصادرة باسم الله والدين.