يجلس العم أحمد أمام دكانه المتواضع مقلباً حبّات الخضار التي شارفت حياتها على الانتهاء، ويمسح السائل الذي تسرب من تحتها، ثم يرفع يديه للسماء ويقول "الله لا يوفقن، قطعولنا برزقنا". نتقدم منه لنستوضح الأمر ونسأله: من هم؟ يجيبنا وملامح وجهه قد تشبّعت بالغضب الممزوج بالقهر "الروس يا بنتي سكروا الحدود بينا وبين سوريا وقطعولنا رزقنا". ويتابع "يكافئوننا لأننا قدمنا شبابنا قرابين في الحرب السورية".

وكأن أهالي بعلبك الهرمل لا تكفيهم فصول الفلتان الأمني المتتالية القابضة على حياتهم، ولقمة عيشهم، ولا حتى إهمال الدولة لهم، وسيطرة الأحزاب على قرارهم وخيارهم، ترى الصفعات تأتيهم من كلّ حدب وصوت وكأن القدر كتب عليهم أن يعيشوا حالاً من اثنين لا ثالث لهما، المرّ أو الأمر.

رضي أهالي الهرمل وضواحيها بلعنة الجغرافية التي جعلت منهم قرى نائية، ورضوا بتنكّر الدولة لهم، فرأوا بالضفة الأخرى (السورية) ملاذاً لهم، واتخذوا منها، لا حباً بها بل طلباً للعيش، باباً واسعاً للزرق، وهم الذين قدموا خيرة شبابهم دفاعاً عن قرى الضفة نفسها في وجه الإرهابيين.

حالةٌ واسعة من الامتعاض تُسجل لدى أهالي القرى الحدودية في البقاع الشمالي من الجهتين اللبنانية والسورية على حدٍ سواء، بسبب استمرار إغلاق المعابر التي تصل هذه القرى بتلك الحدودية السورية للأسبوع الثالث على التوالي.

وعلم "ليبانون ديبايت" من مصادر محلية أن هذا الإغلاق جاء بقرار روسي لوضع حد لأعمال السرقة والتهريب التي تحصل بين من يُعرفون بالشبيحة وبعض العصابات المسلحة من عشائر المنطقة. وفي المعلومات، أن الفرقة رقم 11 من الجيش السوري تم نشرها على النقاط الحدودية لضبط المعابر، وأن هذا القرار مرحلي سيتم تعليقه بعد التخلص من الشبيحة وإبعادهم عن الحدود.

اسباب كثيرة تمنع المواطنين في هذه المنطقة من تقبل هذا القرار، فما بين اهالي القرى اللبنانية والسورية علاقات عائلية وتجارية كبيرة. يقول العم أحمد من سكان بلدة القصر اللبنانية الحدودية "كنت أجلب الخضار من سوريا لأن أقرب سوق للخضار موجود في زحلة، ويبعد مسافة ساعتين عن دكاني، كما أن الاسعار السورية مدروسة اما اللبنانية غالية ولا تتوافق مع جيب الأهالي".

أما فاطمة، فقد أثر إغلاق الطريق على صحتها، هي تزور سوريا مراراً بسبب مرضها، وتقوم بشراء الأدوية اللازمة من هناك. وتقول لـ"ليبانون ديبايت" إن "غلاء الاستشفاء في لبنان يجبرني على الذهاب إلى القرى السورية المجاورة، وسعر الدواء الواحد في لبنان يساوي 10 أضعاف سعره في سوريا وأنا أرملة وحيدة أعمل في محلّ للملابس وكل راتبي لا يتعدى 250 الف ليرة لبنانية". ولا تنتهي معاناة فاطمة هنا بل تتعداها إلى أنها محرومة اليوم من رؤية ابنتها التي تزوجت وسكنت في الأراضي السورية تحديداً في زيتا التي يسكنها لبنانيون.

علماً أن هناك لبنانيين يسكنون القرى السورية ويرسلون أولادهم للتعلم في المدارس اللبنانية في الهرمل وضواحيها، والعكس صحيح.

وجولة على المعابر غير الشرعية في المنطقة تبين أن الحدود أغلقت فقط بوجه السكان العاديين، أي من ليس لهم ضهراً حزبياً أو عشائرياً. وفي الوقت الذي أغلقت فيه المعابر الرئيسية التي كان يعتمدها المواطنون وأبرزها مطربة وحوش السيد علي، بقيت النقاط الحزبية مفتوحة أمام من لديه واسطة، وكذلك النقاط الأخرى العشائرية التي تمر في أراضٍ تابعة لعائلات معينة في المنطقة. الامر الذي كان جلياً أثناء الهجومات المسلحة التي قام بها آل جعفر لاستهداف آل الجمل في بلدة حاويك السورية. وتبقى علامات استفهام، لماذا التضييق على لبنانيي الحدود اللبنانية السورية والسورية اللبنانية؟ وهل الغاية فعلاً إبعاد "الشبيحة" عن الحدود أم في الامر دوافع أخرى؟