تعتبر العشائر العربية من أكثر الفئات حرماناً في لبنان ، وهي تحتاج إلى وزير منها يعبر بها إلى الوطن بمؤسساته وإنمائه
 
في خضمّ تحضيرات تشكيل الحكومة العتيدة برزت مطالب القوى السياسية بالحصص والتمثيل الوزاري ، وتحرّكت مطالب لشرائح لم تتمثل سابقا ، ومنها العشائر العربية والعلويون والأرمن الكاثوليك ، سعياً منها لحجز مقعد وزاري في تركيبة الحكم المقبلة.
 
وكان لافتاً السقف العالي للعشائر العربية في الإفطار الذي أقامه السيد عيسى الهيبة على شرف وجهاء العشائر في لبنان بحضور ممثل عن رئيس الحكومة سعد الحريري السيد وممثل مفتي الجمهورية والنائب المنتخب محمد سليمان وشخصيات سياسية واجتماعية وروحية.
تحدث باسم العشائر الشيخ بدر عبيد مطالبا بتوزير من يمثلهم في الحكومة الجديدة وطرح موضوع مكتومي القيد وقيد الدرس ومتابعة لملفات اشخاص لديهم اشكالات في النفوس الذين سقطوا سهوا في مرسوم 94، وهس قضايا محقة ومزمنة تستوجب جهداً إستثنائياً في سبيل إنجازها.
 
توزير الأرمن الكاثوليك: هل الأرمن حقاً غائبون عن الحكومات؟
 
أما الأرمن الكاثوليك ، فقد أثار بطريركهم غريغوريوس بطرس غبرويان موضوع تمثيل طائفته في الحكومة العتيدة مع رئيس الجمهورية ميشال عون ، مذكراً بأن آخر وزير أرمني كاثوليكي كان قبل 27 عاماً.
 في المقابل ، فإن طرح توزير العلويين جاء على لسان وزير الخارجية جبران باسيل مضافاً إليه الأرمن الكاثوليك تحت شعار توزير الأقليات ، ليضع إشكالية إضافية أمام تشكيل الحكومة.
 
باسيل: توزير الأقليات لقلب المعادلات
 
ليس في لبنان خلفياتٌ ملائكية لطروحات التوزير ، بل إنها دائما تخفي وراءها أهدافاً وغايات ترتبط بالجهة المطالِبة بالتمثيل الحكومي. وفي حالتنا ، فإن اللبنانيين يعرفون أنه لا يمكن للوزير باسيل أن يحمل مطلباً من هذا النوع من يترافق مع زرع ألغامٍ كثيرة على طريق التشكيلة الوزارية ، لأنه يسعى بطرحه إلى فرض معادلاتٍ جديدة ، تضيف المزيد من إنعدام التوازن سواء لصالح حزبه أو لصالح حلفه السياسي ، والمقصود هنا أن باسيل يسعى من خلال طرحه إلى حشر خصومه والإستيلاء على مزيد من الحصص بإسم الأقليات.
 
منطقياً:
تتمثل الطائفة الأرمنية بأحزابها ، وهي دائمة الحضور في السلطة خلال مختلف العهود ولم يسبق أن غابت عن الحكومات المتعاقبة ، ومن المستغرب إستحضار فئة أرمنية بعينها لتـُضاف إلى الحصة الأساس والثابتة للأرمن . فمن جَيبِ مـَن وعلى حساب من سيتم توزير أحد شخصيات الأرمن الكاثوليك ، وهل التمثيل الأرمني ناقص فعلاً ، أم أننا أمام خلق معادلة إستيلاءٍ جديدة على مواقع في السلطة ، في ظل غياب التوازن وعدم رغبة رئيس الحكومة سعد الحريري في خوض مواجهة مع رئيس الجمهورية؟
 
توزير العلويين: كلمة حق يراد بها باطلٌ سياسي
 
التساؤلات ذاتها تطرح نفسها في ما يخص طرح توزير العلويين.
فالعدد والإنتشار هما المعياران الأساسيان في تحديد أحجام التمثيل في الحكم. ولهذا ، فإنه منذ تطبيق إتفاق الطائف ، وحتى في ظل الإحتلال السوري ، تمثل العلويون بنائبين ، الأول عن (بعل محسن – طرابلس) والثاني عن عكار ، إضافة إلى تعيين عدد من السفراء من أبناء الطائف ، ولم يجرؤ نظام الأسد على فرض وقائع وقحة بالشكل الذي يطرحه باسيل اليوم.
فماذا يريد باسيل من وراء طرح توزير العلويين؟
الهدف الأول هو خلق مراكز قوى إضافية تدور في فلك باسيل ومحوره داخل مؤسسات الحكم ، وهذا سيكون على حساب السنة حكماً ، لأن الوزير العلوي الذي يتبناه باسيل سيكون موالياً لنظام الأسد و"حزب الله" ، وهذا سيجعل المعادلة تعاني من خللٍ إضافي.
 
نيابة علي درويش: خطوة لكسر العزلة العلوية
 
من حق العلويين الدخول في مناصب الدولة ، ومنها الوزارة ، لكن عليهم الخروج من جلباب الأسد والتشبث بلبنانيتهم ، ورمي مخلفات آل عيد خارج إعتباراتهم ، حتى يصبح وجودهم طبيعياً في محيطهم المباشر ، وتنتهي مرحلة توظيفهم كشوكة في خاصرة طرابلس.
ربما يأتي إنتخاب النائب علي درويش من كتلة الوسط المستقل خطوة في الإتجاه الصحيح ، لأن تمثيل تيار المستقبل النيابي لم يكن مقنعاً للناخب العلوي ، ولم يستطع النواب المنتخبون من التيار ملء الفراغ ، لأسباب كثيرة ، منها عدم قدرتهم على خرق حاجز الإرهاب الذي رفعه رفعت عيد ووالده ، وجولات العدوان على طرابلس وتفجيرا مسجدي السلام والتقوى.. 
أما اليوم ، فإن النائب على درويش يمثـّل حالة مختلفة ، فهو إبن بعل محسن ، وهو قادر على العمل وعلى ملئ فراغ آل عيد داخل المنطقة ، من دون خوف بسبب إنعدام قدرة رفعت عيد على فرض توجهاته بالقوة كما كان يحدث في مراحل سابقة.
لكن الإشكالية في قضية التوزير تبقى في أن المتحكم بها سيكون الوزير باسيل ، وهذا سيحول الوزارة العلوية إلى موقع صدام يؤذي العلويين أكثر مما يفيدهم ، ويعيد خلط الأوراق ، خاصة أن فوز النائب درويش جاء بعكس توجهات نظام الأسد ، مما يعني إستضار وزير "أسدي" في وجه النائب المنتخب وفي وجه طرابلس بوجهها العروبي والإستقلالي.
 
توزير العشائر العربية: 130 ألفاً يعانون التهميش
 
تبقى قضية توزير العشائر العربية الممثلة اليوم بالنائب محمد سليمان (أبو عبد الله) . وفي هذا الصدد يجب وضع المعطيات الآتية بين يدي الرأي العام:
 
ــ إنتشارٌ على كامل الأراض اللبنانية
 
إن العشائر العربية مكوّن لبناني أصيل ينتشر أبناؤه على إمتداد الساحة اللبنانية بأعداد تتجاوز المائة وثلاثين ألف ناخب ، موزعين جنوباً (30 ألفاً) وفي جبل لبنان (15 ألفاً) وفي بيروت الأولى (8 آلاف) وبيروت الثانية (5 آلاف) ، وفي البقاع الغربي (6 آلاف) والبقاع الأوسط (13 ألف) والبقاع الشمالي (5 آلاف) ، وفي مجمل دوائر الشمال وعكار (35 ألفاً).
واللافت في هذا المجال هو تغييب العشائر سياسياً وتنموياً وقضائياً وتربوياً ، الأمر الذي يستدعي كسر قيود الحرمان في هذه المجالات منذ الإستقلال وحتى اليوم..
 
ــ ثوابت العشائر العربية
 
ـ تتمسك العشائر العربية بهوية لبنان العربية وتؤكد دستورية هذا التوجه الثابت بإعتبار لبنان عربي والإنتماء والهوية.
ـ تتمسك بدعم مقام رئاسة الوزراء أياً كان شاغله.
ـ تتمسك بدعم دار الفتوى ومقام سماحة مفتي الجمهورية.
 
نواب "حزب الله" السنة: من كل وادي عصا
 
في المقابل إستجمع نواب "حزب الله" السنة شتات أمرهم وإجتمعوا في منزل النائب عبد الرحيم مراد ليطالب بحصةٍ في الحكومة ، وهم الآتون أصلاً من كتلٍ نيابية ، مثل قاسم هاشم (حركة أمل) ووليد سكرية (حزب الله) ، وعدنان طربلسي الآتي على لوائح الحزب ، والنائب فيصل كرامي الذي سبق أن دخل الوزارة من حصة الرئيس نبيه بري ، وجهاد الصمد المعروف بولائه للحزب مع إحتفاظه بخصوصيةٍ محلية مبنية على الخدمات المباشرة..
إن طرح توزير هؤلاء ليس أكثر من ورقة ضغط لا أكثر ، حتى لو إعتبر النائب كرامي أنهم ليسوا عطايا ولا هدايا ، ولكن واقع معظمهم الإنتخابي يؤكد أنهم ودائع وتوابع ، وجمعهم للمطالبة بالتوزير لا يعطيهم الحق في أخذ وزير من الحصة السنية ، والأولى لمن يريد أن يتصدّق عليهم أن يُنفِق من جيبه الوزاري..
وقد أتى الردّ من "حزب الله" على لسان المعمّم حسام العيلاني ، حيث اعتبر أن مطالبة العشائر العربية بوزير في الحكومة العتيدة 
تأتي لقطع الطريق على نواب الحزب السنة وإعطاء الرئيس المكلف سعد الحريري حجة لعدم تمثيلهم حيث انه لا يستطيع التخلي عن ثلاثة وزراء سنة ، واحد لرئيس الجمهورية وثاني للعشائر وثالث للنواب السنة خارج تيار المستقبل.
 
البعد الوطني والعربي للعشائر
 
يبقى أن توزير العشائر العربية حق وضرورة ، بإعتبارهم قوة مستقلة تناهز قوتها قوة أي حزب قائم ، وإن كانت اللعبة السياسية لا تعطيهم حقهم في التمثيل العادل الموازي لحجمهم الشعبي ، وهم الكتلة الأكثر تضامناً وتماسكاً وإستلهاماً لوجدانٍ واحد في الشكل والمضمون ، عبرعنه النائب محمد سليمان عندما حضر باللباس العربي إلى مجلس النواب..
تعتبر العشائر العربية من أكثر الفئات حرماناً في لبنان ، وهي تحتاج إلى وزير منها يعبر بها إلى الوطن بمؤسساته وإنمائه ، لتستطيع الإلتحاق بالوطن سياسياً وتنموياً وإقتصادياً وإجتماعياً ، والتوزير هنا من خارج دائرة المستقبل ، وفي دائرة الحضور الوطني والعربي لشريحة لها إمتدادُها العربي وصولاً إلى بلاد الحرمين الشريفين ويعلم اللبنانيون العناية التي أولتها السفارة السعودية للعشائر خلال الفترات السابقة ، وهي عناية تنطلق من الإمتداد التاريخي للعشائر ومن الحضور الواضح لها في الكيان اللبناني.
 
أخيراً ،
لا تـُخفي العشائر العربية إنتماءها و توجهها ، وإن كانت ترى نفسها مكوناً مستقلاً غير حزبي بتوجهٍ وطني واضح المعالم ، يقف مع مشروع الدولة ويستعد لتثبيت حضوره على قاعدة الحق الدستوري في نيل الحقوق السياسية والتتنموية والإجتماعية والإنخراط في الحياة الوطنية بشكلٍ فاعل. 
 
أمين عام التحالف المدني الإسلامي