لا يترك خصوم الرئيس سعد الحريري وحلفاؤه أي مناسبة لمحاولة تطويقه. عن قصد أو غير قصد، يجد الحريري نفسه مطوّقاً. مطالب ومطالب مضادة، إجراءات وأخرى تعارضها. فيما هو يحرص على السير بين النقاط. يبدو الحريري الصامت الأكبر بمسألة تشكيل الحكومة. تنقل عنه مصادر مقرّبة أنه يفضّل العمل بصمت. بينما الجلبة يحدثها آخرون. اجتماعات هنا وهناك، تهدف إلى تطويق مسير الحريري، وفرض الشروط عليه لإنجاز تشكيلته. يفضّل عدم التعليق عليها، ويكتفي بتقديم جواب واحد أن الأمور إيجابية والولادة ستكون مفاجئة ولا عقد بلا حلول.

المنازلة الحقيقية تكمن في تثبيت نتائج الانتخابات النيابية حكومياً ومواجهة ذلك. يفضّل الحريري الالتفاف على تشكيل حكومة بناء على نتائج الانتخابات، لأنها لن تكون حكومته. يستبق السنّة المعارضون مساعيه الجدية بعقد لقاء، الثلاثاء في 19 حزيران 2018، لحجز حصّتهم. 10 نواب سنّة خارج فلك الحريري وتيار المستقبل، يطالبون بوزيرين. اجتماع ضمّهم في دارة النائب عبدالرحيم مراد، فيما غاب عنه الرئيس نجيب ميقاتي الذي يترأس كتلة نيابية بنفسه. يطالب النواب المجتمعون بوزير، ويحفظون حقّ ميقاتي بالمطالبة أيضاً بوزير سنّي، رغم أنه السني الوحيد في الكتلة التي يترأسها. لكن البعض يعتبر أن من حقه توزير سنّي بالاستناد إلى الأرقام التي حققها في طرابلس على الصعيد "الشعبي"، لأن الحواصل التي حازت عليها لائحته، كانت مرتكزة على الصوت السنّي.

يواجه الحريري كل هذه المحاولات، لكنه لا يجد طريقاً غير التأجيل بحثاً عن تنازلات وخفض السقوف، ليس من قبل الطامحين إلى الاستيزار، بل من قبل رئيس الجمهورية ميشال عون وحزب الله. يعلم الحريري أن هؤلاء النواب يستندون في مطالبهم إلى دعم من الحزب. لكنه فعلياً أمام واقع، سيتم التذكير به يومياً بأنه لم يعد زعيم السنّة الأوحد، ولا يمكنه الاستئثار بالحصة السنية. قد يكون الحريري جاهزاً للمناورة، على قاعدة المقايضة مع رئيس الجمهورية، فيطالب بوزير مسيحي مقابل وزير سنّي ضمن حصة رئيس الجمهورية.

لكن معادلة الرئيس القوي لا يمكن أن تتعايش مع منطق رئيس الحكومة القوي. هكذا، تتحدث التجربة اللبنانية. وهذا ما ينعكس اليوم بالممارسة. قوة عون ستُسحب من قوة الحريري، استناداً إلى ميزان القوى. لذلك، حتى وإن تشدد الحريري في الحصّة السنية، فذلك لن يعزز موقعه، لأن المسألة تتعلق بالممارسة. ومعادلة الرئيس القوي هي التي تفرض إيقاع التشكيلة الحكومية، على عكس ما كان متّبعاً في السابق، عبر توافق ثلاثي. يطالب رئيس الجمهورية بحصة من 5 مقاعد، يمنح كهبة منها مقعدين، واحداً لتيار المردة وآخر لحزب الكتائب، بشكل يكون هو راعيهما في الحكومة، وثالث لسنّة 8 آذار، مقابل احتفاظه بمقعدين. واحد درزي وآخر مسيحي. هذه البوتقة تعكس صورة طموح الرئيس القوي، بأن يكون راعياً ومقرراً في توزيع المقاعد على الأشخاص المحسوبين على تلك الأحزاب، لكن يكون هو من اختارهم. مع التركيز على "تنوّعهم".

في المقابل، يطوّق الحريري ليس في الحصص ومطالب الكتل فحسب، بل في الاستحواذ على الحقائب التي حجزت قبل إنطلاق مفاوضات التشكيل الجدية. وهذه أيضاً عقبة جديدة أمام صلاحيات الرئيس المكلّف. ما يجري لا علاقة له بالحصص فحسب، بل يطاول الصلاحيات. وهذه مشكلة سيتم طرحها في الفترة المقبلة. ما حصل أخيراً بشأن اعتراضات الوزراء على تغيير أو تحوير مقررات الجلسات الحكومة، سيشكّل باباً لإعادة طرح مسألة وضع نظام داخلي يحددّ آلية عمل الحكومة، جلساتها، ووضع جدول أعمالها وإتخاذ قراراتها وكيفية تبليغها. هذه ستؤدي إلى تطويق صلاحيات رئيس الحكومة أكثر، وستجعل رئيس الجمهورية الحائز على حصّته الوزارية المتحكم بمفاصل الجلسات، في عودة إلى ما قبل صيغة الطائف.

ولا ينفصل ذلك عن المطالبة بمنصب نائب رئيس الحكومة ووضع صلاحيات له وتحديدها. قد يبدو الحريري مستخفاً بما يجري، ومترفّعاً عن الدخول في سجالات، ومصراً على بث أجواء إيجابية وتفاؤلية. لكن المضمون يختلف عن الظاهر، ومعادلة رئيسين قويين في سلطّة تنفيذية واحدة لن تستقيم.