بقي تيار الممانعة بعيدًا عن أي مشروع حقيقي أو مواقف جدية وخصوصًا تجاه قضيته الأساسية المفترضة وهي فلسطين التي تحولت في خطاب الممانعة إلى مجرد شعار للتحريض والمتاجرة
 

الممانعة في اللغة تعني المنازعة، وتستخدم أحيانا كشهادة "عدم ممناعة" تُعطي لحاملها حق المرور أو الدخول لبعض البلدان العربية.


تحولت العبارة إلى مصطلح سياسي غامض ومبهم وغير واضح وبالرغم من ذلك ما زال يستخدم من قبل فئات محددة للتعبير عن الموقف تجاه العدو الإسرائيلي وتجاه قضية فلسطين كقضية مركزية في العالمين العربي والإسلامي، وتجاه قضايا أخرى عديدة  ويقصد منه التعبير بموقف الرفض أو عدم القبول بمجريات سياسية محددة.


انتشر المصطلح كثيرا في المجال الإعلامي ليعبّر لاحقا عن تيار ذا توجه سياسي محدد ليسمى "تيار الممانعة" بالرغم من اعتبار هذه الكلمة أنها غير واضحة ومبهمة ولاتعبر عن معنى فعلي في السياسة إلا أنها أخذت طريقها للإنتشار بسرعة.


يقول جورج أورويل: اللغة السيئة ليست سوى نتيجة لمستوى انحطاط الفكر وغموض الفكرة، فالوضوح في الفكر يقابله وضوح في اللغة، والعكس صحيح.


ويعتبر أورويل أن المفردات المستخدمة لا تحمل معنى محدداً فكلمة "الفاشيّة" مثلا لا معنى لها اليوم سوى أنها تُستخدم للدلالة على شيء غير مرغوب ومفردات أخرى كـ الديموقراطيّة والاشتراكيّة والحريّة والوطنيّة وواقعي والعدالة، كل واحدة تحمل معاني عدة وأحياناً متناقضة.

 

إقرأ أيضًا: في معركة حزب الله ضد الفساد الرهان على القوات ليس خاسرًا

 

والحال نفسه هنا مع مصطلح "الممانعة" من حيث الإستخدام والنشأة، إلا أنه يتسع في الإنتشار كاستغلال سياسي وإعلامي واضح ومتعمد لبث الخطاب الموجه لتيار واسع في العالم العربي والإسلامي يتخذ من قضية القدس وفلسطين والمقاومة شعارًا ويتعمّد بث السياسات الهادفة في سبيل مصالحه القائمة بالأساس على مصالح دول محددة تتقدمها إيران وتعمل في سياقها أحزاب وحركات ومنظمات معروفة.


يقوم تيار الممانعة باعتماد الإعلام كوسيلة أساسية للتعبير والتحريض السياسي واستطاع أن يثبت حضوره في مجالات عدة من خلال بعض الصحف والمواقع الإلكترونية والتواصل الإجتماعي وغيرها إلا أنه بقي بعيدا عن أي مشروع حقيقي أو مواقف جدية وخصوصا تجاه قضيته الأساسية المفترضة وهي "فلسطين" التي تحولت في خطاب الممانعة إلى مجرد شعار للتحريض والمتاجرة والمصالح المرتبطة بالدول الراعية لهذا التيار.


ثقافة الممانعة تنتشر وتتوسع بشعارات مقبولة شعبيًا ولذلك استطاعت هذه الثقافة أن تشكل حضورا على التواصل الإجتماعي لكنه حضور لا يرقى إلى المستوى الفكري أو الحضاري كما لا يرقى إلى مستوى النقاش الهادف والبنّاء في أي قضية، بالإشارة إلى أن حالة رفض الرأي الآخر في ثقافة الممانعة تبدأ بالسباب والشتائم بعيدا عن أي لغة حضارية قائمة على مشروع أو رؤية.


وفي قراءة سريعة لشريحة كبيرة من الممانعين على التواصل الإجتماعي فإن النتيجة تكون أننا أمام همج رعاع لا يعرفون من السياسة إلا السباب والشتائم والإتهامات الجاهزة لتكون النتيجة أن ثقافة الممانعة قائمة على منع حرية التفكير في العالم العربي ورفض الرأي الآخر بشكل مطلق.


لا مشروع ولا موقف جدي ولا رؤية موحدة ولا برامج عمل لتيار الممانعة ليس ثمة شيء سوى خطابات مملة وشعارات سياسية خاوية من أي أهداف حقيقية للتغيير الذي ينشده هذا التيار وبالتالي فإن الوجه الآخر للممانعة لا شيء سوى فقاعات إعلامية غير هادفة تفتقر لأبسط عناصر الإستمرارية.