الخطط الأمنية الفعلية في البقاع لا نلمس أثرها إلا على وسائل الإعلام، وهي واقعيًا وعمليًا ليست أكثر من وعود ترد على ألسنة بعض المعنيين من رجال الدولة
 

منذ شهور عديدة وربما منذ سنوات وأهالي منطقة البقاع الشمالي يسمعون عن خطط لضبط الوضع الأمني والحد من الفلتان والفوضى التي شاعت بشكل واسع وتفاقمت وتصاعدت إلى مستويات غير مسبوقة في مختلف قرى وبلدات ومدن منطقة بعلبك الهرمل، وبلغت حدا لم تشهده المنطقة حتى في ذروة الحرب الأهلية التي ضربت البلد من أقصاه إلى أقصاه واستمرت لأكثر من خمسة عشر عاما عانى اللبنانيون أشد أنواع المعاناة والمأساة وأكثرها قسوة ومظلومية، إلا أن أي من هذه الخطط لم يكتب لها النجاح ولم تأخذ طريقها إلى التنفيذ إلا لماما.


حيث كانت كل خطة تقتصر على بعض المداهمات الاستعراضية وإقامة الحواجز العسكرية التي كانت تعرقل الناس عن أشغالهم وأعمالهم وتعرضهم للاهانة وتحد من حركتهم في البحث عن لقمة العيش وتساهم في تعطيل الحركة الاقتصادية. وينحصر تنفيذها بإلقاء القبض على بعض المشتبه بهم والتنكيل بهم والذين تثبت براءتهم فيما بعد ويتم إطلاق سراحهم لاحقا دون اعتذار. 


ولا تنتهي الا بعد إيقاع بعض الضحايا المدنيين الأبرياء بين قتيل وجريح الذين يصادف تواجدهم أو مرورهم في المكان الذي تتم فيه ملاحقات لأحد المطلوبين الذي يتمكن من الفرار في زحمة المارة، وإحداث أضرارًا وخسائر في بعض المباني المجاورة والسيارات المركونة نتيجة إطلاق الرصاص العشوائي. 

 

إقرأ أيضًا: الثنائي الشيعي مسؤول عن إهمال منطقة بعلبك

 

وإذا كان من غير المجدي الدخول في لعبة اعداد وكشف الأحداث الدموية التي تتجاوز العشرات بل المئات وتؤدي إلى إشاعة أجواء الرعب والخوف الناجمة عن أصوات الرصاص الطائش وإطلاق القذائف الصاروخية بشكل اعتباطي، إلا أنه من المفيد التأكيد على أن أي حدث من هذه الأحداث المؤلمة والمؤسفة كفيل باستنفار وتحريك الآليات العسكرية وتدخل الأجهزة الأمنية لحسم الأمور والضرب بيد من حديد وملاحقة المجرمين والمرتكبين لأعمال الشغب والفوضى والمخلين بأمن المواطن حتى يتم إلقاء القبض عليهم وايداعهم الزنازين والسجون وتقديمهم للمحاكمة لمثولهم أمام القضاء المختص لنيل جزاء ما اقترفته أياديهم من آثام وما تلوثت به من دماء الأبرياء ليكونوا عبرة لغيرهم ورادعا عن سلوك طريق الجريمة والرذيلة، وبالتالي فإنه لا بد من الإشارة هنا إلى أن هذه الأحداث كانت ولا زالت تمر مرور الكرام دون أن تشكل حافزا للقوى العسكرية المولجة حفظ الأمن للتدخل السريع. بل ان اكثر ما كان يفعله الجيش هو إرسال قوة مؤللة للفصل بين المحاربين ومداهمة بعض البيوت بعد فرار الجناة وتمكنهم من الهروب إلى محميات بعيدة وبمنأى عن الملاحقة والنجاة من العقاب. 


وأما الخطط الأمنية الفعلية فلا نلمس أثرها إلا على وسائل الإعلام، وهي واقعيا وعمليا ليست أكثر من وعود ترد على ألسنة بعض المعنيين من رجال الدولة (نواب، وزراء، رؤساء أجهزة عسكرية وأمنية، مسؤولي أحزاب وغيرهم) ليس إلا، فيما الناس مربكة وتعيش حالات هستيرية من القلق والخوف من المجهول ومن مستقبل قاتم ينتظر أبنائها والأجيال الصاعدة، بعدما يئست من أداء هذه الطغمة الحاكمة التي تتآمر على حياتها واستقرارها ولقمة عيشها وتتساءل بل وتسأل وبالفم الملآن: إذا لم تكن مهمة الأجهزة الأمنية والعسكرية من جيش وقوى أمن داخلي وأمن عام وأمن دولة ومعلومات وشرطة قضائية ومخابرات هي حفظ الأمن والاستقرار وحماية الوطن والمواطن من التعديات، فما هي الوظيفة الموكلة إليها والمولجة بتنفيذها؟! 


وهل أن مهمتها فقط تنحصر بحماية الطبقة السياسية الفاسدة والشخصيات المشبوهة؟ 


فالناس في منطقة بعلبك الهرمل تتوسل قادة الأجهزة البقاء فوق مستوى الشبهات ودون الإنغماس في منزلقات السياسيين ووحولهم ومفاسدهم وأصحاب الصفقات المريبة والمتاجرين بالدماء لأنها لا زالت ترى فيهم الضمانة الأخيرة لحياتهم الآمنة والمستقرة.