لبنان عليه التزامات دولية عبرت عنها مؤتمرات الدعم التي عقدت في الأشهر الماضية في عدد من الدول الأوروبية، وكان آخرها مؤتمر «سيدر» الذي عقد في فرنسا، وطلب من السلطة اللبنانية الحاكمة أن تفي بالتزاماتها تجاه المجتمع الدولي، ومن بين هذه الالتزامات الإسراع في انتظام المؤسسات الدستورية من تشكيل حكومة جامعة إلى تحقيق الإصلاحات الداخلية كوقف الهدر ومكافحة الفساد المستشري، إلى الالتزام بسياسة النأي بالنفس وبالقرارات الدولية، وذلك في مقابل التزام المجتمع الدولي بمساعدة لبنان للنهوض وتجاوز مصاعبه الاقتصادية والمالية والاجتماعية عن طريق تقديم الدعم اللازم له.
وعندما كلف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة، سارع الى التأكيد على التزام حكومته التي يعتزم تشكيلها في أسرع وقت ممكن بهذه الالتزامات وتحرك باتجاه الكتل النيابية والأحزاب والقوى السياسية كافة على هذا الأساس، لكنه فوجئ بعد جوجلة اتصالاته ومشاوراته أن الطريق أمامه ليست سهلة بل مزروعة بألغام المطالب والشروط المضادة، ما أدى إلى فرملة إندفاعته للإسراع في تشكيل الحكومة والانتقال إلى ورشة الإصلاحات المطلوبة منه دولياً، وقد عبر عن ذلك من موسكو التي زارها مؤخراً بقوله ان التأخير في تشكيل الحكومة لا يخيفه.
وجاء كلامه هذا بعد ما لمس أن طريق التأليف محفوفة بالألغام، وأن الاحتقان السياسي ارتفعت وتيرته لا سيما بعد تصريحات الأمين العام لحزب الله التي نعى فيها سياسة النأي بالنفس وأكّد على بقاء حزب الله في سوريا للدفاع عن نظام بشار الأسد، ناهيك عن المواقف التي أطلقها قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني والتي يُفهم منها ان إيران التي تعتبر بأن حليفها حزب الله فاز بالانتخابات النيابية بأكثرية ساحقة تجاوزت الـ74 نائباً لن تقبل بحكومة لا يكون فيها للحزب وحلفائه أقل من ثلثي عدد الوزراء حتى يتمكن بوضع يده على السلطة الاجرائية، وجاء ذلك مع دخول عامل ثانٍ على خط التأليف هو تمسك التيار الوطني بحصول رئيس الجمهورية على حصة في الحكومة العتيدة لتشكل مع حصته الثلث المعطل، وبذلك يكون مع حزب الله وفريقه قد أمسكوا بالحكومة، وبكل قراراتها وتضيع الفرصة على الرئيس المكلف الذي يهمّه التوصّل إلى تشكيل حكومة متوازنة تدعم التزاماته تجاه المجتمع الدولي من جهة، واتجاه الدول العربية التي ترى في الوجود الإيراني على الساحة اللبنانية الداخلية، ما يُهدّد السيادة اللبنانية ويجعل من هذا البلد ملحقاً بالمنظومة الإيرانية التي تريد السيطرة الكاملة على الدول العربية.
الفريق المعارض للاستراتيجية الإيرانية أدرك خطورة ما يرسم للبنان من خلال تشكيل الحكومة على النحو الذي ترغب فيه إيران، كذلك الأمر بالنسبة إلى المجتمع الدولي الذي يعتبر حزب الله بجناحيه السياسي والعسكري منظمة إرهابية، وأقدم على اتخاذ سلسلة إجراءات لمحاصرته، ومنعه من تحقيق أهدافه في الداخل اللبناني، ما من شأنه أن يزيد في تعقيدات الوضع الداخلي، وفي تفاؤل آمال الرئيس المكلف في إنجاز التشكيلة الحكومية خلال أسابيع معدودة على قاعدة التوازن وتمثيل كل القوى السياسية تبعاً لأحجامها، من دون أن يعبر عن ذلك، بشكل علني كما كان يتوقع البعض، غير أن الأيام والأسابيع المقبلة ستكشف عن عمق الأزمة التي دخل فيها هذا البلد.