تستعير القوى السياسية اللبنانية من مباريات المونديال، فكرة «الوقت الضائع»، التي تلي إنتهاءَ المدة الأساسية لأيِّ مباراةٍ بلا نتيجة، ما يؤدّي الى تمديد فترة المباراة لمدة دقائق تُحتسب من «الوقت الضائع» من الوقت الأساسي، وإذا بقيت النتيجة على حالها، تتمّ إضافة تمدّدَين للوقت يسميان «الوقت الاضافي»، واذا انقضى الوقت الأخير على غير نتيجة، يتمّ حسم المباراة لمصلحة أيٍّ من الفريقين بالضربات الجزائية المباشرة.
 

هذه المعادلات الزمنية المتّبعة في قانون كرة القدم، التي تشغل مبارياتها العالم حالياً، رأى مرجع سياسي - لم يرد ذكر أسمه، مكتفياً بالقول انّ سامعها سيعرفني - أنها تنطبق على مباريات تأليف الحكومة العتيدة. فحتى اللحظة ظهر أنّ نتائج التأليف التي كان يؤمل أن تصل الى نتيجة حاسمة قبل عيد الفطر، وصلت في الوقت الأصلي للّعبة الى لا نتيجة، وعليه دخلت عملية التشكيل الآن فترة الوقت الضائع، الذي على ما يبدو سينتهي الى تبديده، دون حدوث نتيجة، نظراً أوّلاً لقصر فترة الوقت الضائع (أسبوعين)، وبدليل، ثانياً، أنّ مراجع معنيّة بالتشكيل شدّت رحالها خلاله لتنفيذ رحلات الى الخارج (بري وجنبلاط وحتى الحريري العائد حديثاً).

وعليه فالمتوقّع أنّ عملية تشكيل الحكومة ستبدّد الوقت الضائع، لتدخلَ بعد نحو أسبوعين، الوقتين الإضافيّين الأول والثاني، وهذه مدتها «نصف ساعة» حسب قانون كرة القدم، وترجمتها في ملعب تشكيل الحكومة يعني أنها نصف الوقت الذي مضى حتى الآن من وقت التكليف (شهر كحدّ أعلى). وبعد انقضائها لن يكون هناك تمديدٌ للوقت الضائع، بل ستدخل عملية التشكيل، وقت تسديد «الضربات الجزائية» لحسم النتيجة، أي ستدخل مرحلة تأليف حكومة أمر واقع، وبتعبير أوضح مرحلة «فرض حكومة» على الواقع السياسي في لبنان، أو إنهاء تفويض الرئيس المكلف لمصلحة إعادة تجديد تفويضه، أو حتى تكليف شخصية أُخرى.


وتريد هذه المقاربة الرمزيّة عن التوقيتات المحدّدة لعملية التأليف، الإشارة الى معطيات أساسية تتحكّم بعملية تأليف الحكومة:


ـ المعطى الأول، يتّفق مراقبون لعمليّة التأليف، على أن يطلقوا عليه وصف «جنرال الاقتصاد»، أو«فخامة جنرال الاقتصاد القوي» الذي سيُجبر بناءً على ضغط الوضع الاقتصادي، العهد و«رئيسَه القوي» على وضع سقف زمني لحسم مهمة تأليف الحكومة، وإلّا فإنه سيذهب الى حسمها بـ«الضربات الجزائية».
وضمن هذا التوجّه في التفكير، تبرز داخل كواليس سياسية وازنة ومعنيّة بتأليف الحكومة، ثلاثُ فرضيّات:


• الأولى، أن ينجحَ الرئيس المكلّف ضمن الوقت الإضافي (شهر كحدٍّ أعلى) في التأليف.


• الثانية، أن لا ينجح، وعندها لن يكون هناك إلّا حلٌّ من اثنين: إما الذهاب لإعلان حكومة أمر واقع على طريقة ضربات الجزاء، بحيث يتمّ إعلان التشكيلة الحكومية مع تأمين حاصل لها من الثقة في البرلمان، بغض النظر عن منسوبه. وأما إنهاء تفويض تكليف الحريري والإنتقال الى مرحلة تكليف جديدة، قد تعيد تسمية الحريري نفسه أو شخصية أخرى.


ليس خافياً أنّ مسألة وضع بند في الدستور يحدّد وقتاً للتفويض أو التكليف بتشكيل الحكومات، بحيث لا يبقى مفتوحاً زمنياً، هو أمر مثار منذ فترة. ولكن في حال تمّ حالياً تطبيق هذا الإجراء تحت مبرّر أنه مجرد عرف يمكن تجاوزه، فإنّ ذلك سيأخذ البلد الى سجال دستوري داخلي شائك. وأوّل ما يمكن توقّعه على هذا الصعيد، هو أن يثور ضد هذا الإجراء «إعتراض ميثاقي سنّي» يرفض فرض «مدة تكليف محددة للتشكيل» على الرئيس السنّي الثالث، خصوصاً وأنّ الدستور لا يقول ذلك.

ويتوقع إعادة طرح موضوعات سبق إثارتها من نوع أنه يجب التعامل مع الرئاسة السنّية الثالثة سواءٌ في نطاق التكليف أو الترؤس الفعلي للحكومة، كما تعامل رئاسة مجلس النواب التي رغم أنّ الدستور يقول إنه بعد عامين من ولاية رئيس المجلس يحقّ لعدد محدَّد من النواب طرح الثقة به، إلّا أنّ هذا المبدأ لم يسبق تطبيقه لإعتبار عدم خدش الميثاقية، وعليه فإنه الأحرى أن لا يطبَّق هذا الاجراء على مهلة التفويض بالتأليف على الرئيس السنّي المكلف، خصوصاً أنه لا يستند الى نصّ دستوري. وأيضاً سيُثار سجالٌ لتحديد جهة الاختصاص التي تنهي تكليف الرئيس الثالث بالتشكيل بناءً على ثقة تسميته نيايباً، هل هو رئيس الجمهورية أم مجلس النواب؟. واستدراكاً، ومن باب المناصفة، ستثار مسألة ما إذا كان يجب إجراء تعديل يعطي حق تعيين موظفي مجلس النواب لهيئة مكتب الرئيس مجتمعاً وليس لرئيس المجلس وحده.


المعطى الثاني، يتمثل بواقع السباق القائم خلف الكواليس مع جنرال الاقتصاد، الذي بدأ يطلّ برأسه كحاكمٍ لتوقيتاتِ عملية التأليف سواءٌ على العهد أو الحكومة العتيدة. وتفيد المعلومات ذات الصلة بهذا الموضوع، أنّ نقاشاً حامياً يسود على رغم أنه لم يخرج بعد للعلن، بين مَن تقع على مسؤوليتهم التقنية أو السياسية، مسألة معالجة منع الانهيار الإقتصادي في البلد. وهناك نقطتان أساسيّتان في هذا السجال:


• الأولى، ما هي فترة السماح الاقتصادية المتبقية للبلد، بكلام آخر كم يحتمل البلد من الوقت قبل الانهيار الاقتصادي؟ هناك اجابتان، الاولى تقنية وعلمية، تحدّد ثمانية أشهر حدّاً أعلى، والثانية سياسية تحدّد ثلاثة أشهرحدّاً أدنى.


• الثانية في السجال الخطر كما يصفه البعض، تتصل بطريقة إنقاذ الاقتصاد، أو أيّ مقاربة إنقاذية وإصلاحية يجب اتّباعها لإصلاح الاقتصاد أو البدء بترميمه لمنعه من الانهيار وإعلان الإفلاس. حتى اللحظة هناك بحسب معلومات لـ«الجمهورية» ثلاثة اتّجاهات تتساجل حول هذه النقطة، الاتّجاه الأول يقترح رفع سعر صرف الدولار لثلاثة آلاف ليرة لشطب جزء من الدين الداخلي، والثاني يتحدث عن تسييل جزء من إحتياط الذهب للغاية نفسها، والثالث يدعو الى حوار وطني بين الحكومة والمصارف لصوغ إستراتيجية سداد الدين الداخلي.


مجمل ما تقدّم يوضح أنّ عملية تأليف الحكومة ذاهبة اما الى ولادة حكومية سريعة في الوقت الاضافي المقدّر بشهر، وإذا طالت فستصطدم بـ«جنرال الاقتصاد» المستعجل التأليف، ما يجعل العهد ملزَماً بطرح مسألة إنهاء التكليف أو تجديده أو فرض حكومة أمر واقع، وكل ذلك تحت ضغط مسدَّس «جنرال الاقتصاد» الموجَّه لرأس البلد.