هذا الميثاق ما زال يشكل ضمانة أساسية لأبناء بعلبك الهرمل بكل عائلاتهم وعشائرهم والعودة إليه مع ما يجري اليوم على أرض البقاع
 

 

لا يزال الوضع الأمني في منطقة بعلبك يتصدر عناوين الأحداث المحلية، إذ بلغت خطورة الوضع الأمني المتردي حدا يستدعي العمل السريع لإنقاذ الوضع مما هو عليه وخصوصا مع تصاعد التوتر العائلي والعشائري على صعيد البقاع ككل، حيث تحولت المنطقة إلى ما يشبه ساحة حرب بين العشائر في عودة إلى الماضي القديم الذي عانت منه منطقة البقاع .

ما حصل خلال الأيام الماضية في سرعين من اقتتال دام وفي قرية العصفورية التي ما زالت تشهد توترا غير مسبوق بين عائلتي جعفر والجمل .

هذه الأحداث وغيرها تعيد إلى الأذهان ما كان يعانيه البقاع من اقتتال عشائري امتد لعقود برزت خلاله عادة "الأخذ بالثأر" هذه العادة التي طالت من أبناء البقاع وعشائر البقاع لسنوات، وكانت من أخطر المراحل التي عاشها أبناء البقاع وعائلاته وعشائره وقد أصابت المنطقة بأسرها من خلال تأثيرها الأمني والإجتماعي على كل مقدرات الحياة.

الإمام موسى الصدر في ذلك الحين أدرك خطورة هذا الواقع وأولى منطقة البقاع حينها اهتماما استثنائيا ووجه في العام 1970 ندائه المشهور إلى أهالي بعلبك الهرمل لنبذ الخلافات والتناحر والتخلي عن العادات السيئة والمدمرة للمجتمع البقاعي وفي مقدمها عادة "الأخذ بالثأر".

 

إقرأ أيضا : لخطة طوارىء شاملة تُعالج الفلتان الأمني في البقاع

 

 

واليوم وبالنظر إلى ما يجري في المنطقة فإن الحل بالعودة إلى ميثاق الشرف الذي وضعه الإمام الصدر متوجها به إلى أبناء ابعلبك الهرمل وقد جاء فيه:

 "يا ابناء بعلبك الهرمل

في هذه الأيام النازفة بالدم، المصبغة وطنكم الجريح، وفي هذه الليالي الثاكلة تلف اليتامى والأيامى وفاقدي الأحبة والمعيلين بهمومها وأحزانها الخرساء، تأخذ الغصة بحلقي والشوك بوسادي وقيامي وسجودي وأنا أتساءل وأسأل:

ماذا يعني تصعيد موجة الأخذ بالثأر ؟ وما مبرر الإنتقام من جرائم قديمة ؟

وهل من حق جاهل موتور أن يصيب أمن قومه، وأنتم راضون ؟

أم يكون من حق غر مغامر أن يتهم ، ثم لا يحاكم ، بل يحكم وينفذ، وأنتم ساكتون ؟

أم يكون من المصلحة والوطن والمواطنون يعقدون الأمل على طاقاتكم الكبيرة ، أن تهدروها على أرجاس النفس الأمارة بالسوء ، بدلاً من صرفها في مرضاة الله الذي ينتظركم في الآخرة ، وفي إحتياجات الإنسان لها ، في هذه الدنيا ؟

والشعب الجريح ، والأرض المحتلة ، والكرامة المسلوبة ، والنوم الهارب من العيون ، والجوع الزاحف إلى البطون ، والقلق ، وعتمة المصير ، كلها كلها .. لا تعني لكم شيئاً ؟

ولا يعنيكم سوى عبادة أصنام الجاهلية ، ومزاولة شياطين الحقد ، والإصغاء إلى يوم القبور الناعية في عرس الثأر الجبان ؟!

يا أبناء بعلبك الهرمل الأبطال أنتم يا آل الحاج حسن في شعت ورعيان, ورسم الحدث, والشواغير, لماذا لاتصرف كثرتكم الشجاعة على حدود الوطن الحزين؟

وانتم يا آل زغيب, أين العلم والدين وتقوى الله؟ وانتم يا آل شقير, ويا آل الجبلي, أين الجباه التي عليها آثار السجود؟

وانتم يا آل دندش, وشمص, وجعفر وعلو, أهكذا صار إليه تراثكم في كفاح المستعمر والمحتل والدخيل والمطامع؟

وانتم يا اهالي بريتال, أهكذا صارت قلعة الوطنية ومعقل الرجال؟.. وأنتم يا آل حيدر, وياغي, أتنتظرون مني درسا في كيف تبنى الأوطان, وتصان؟.. وأنتم… وأنتم…؟

يا أخواني في بعلبك والهرمل: 

أين عقلاؤكم يردعون السفهاء حتى يكفوا, أو يموت العقلاء فدية للإنسان, والمواطن, ومكارم الخلق العظيم… أين المشاعر المرهفة؟ أين العقول النيرة؟ أين الأيدي والألسن المتحركة الحازمة؟

أين الرجال المسؤولون ؟ أين أوتاد الأرض؟ أين معقد الرجاء؟ أين الامل؟

نحن هنا, في بيروت, في الشمال, في الجنوب المهدد, في القرى المحطمة, بين المشردين, في بحر المشاكل الهائج ننظر اليكم أيها الشرفاء. نحن ننظر إلى الليل المظلم, وقد كنا نرتقب فجره, فاذا به يزداد ظلاما, ويتغلغل في أعماق تلك المنطقة العزيزة لينعكس على عيوننا حزنا وقلقا, وهاجسا لا يقر له قرار.. أصدقاؤكم: أيها الأخوة في مأتم, وعدوكم متربص, والشامتون يملأون الدروب, فهل تسمعون؟

 

وإذا غابت الدولة عنكم, بسبب من ذعر, أو انهارت بسبب إملاق من أخلاق, وإفلاس من رؤيا, فهل تغيبون أنتم عن أنفسكم, عن أمنكم, وسعادتكم وشرفكم وإنسانيتكم, ومواطنيتكم؟.. إذا مات القيمون عليكم, فهل تسيبون في مسارب النسيان والتيه والمجزرة؟ هل انتم سفهاء أو صغار حتى تضيعوا إذا ضاع الحكم؟.. وحتى الآخرون؟

هل الموجة الرابعة تستثني أحدا من الغرق فيها؟

هل تقدير الحقوق والقيم والكرامات, متروك للظلمة والجهال والأوباش؟

هل في تاريخ الأنياب والأظافر مثيل لهذه التمزقات, التي تفطر القلوب وتشقق الضلوعظ وهل أيها الناس, تسكتون عن الحق وتنسون أن الساكت عنه شيطان أخرس؟

أما بعد, فلكم أيها الشجعان اختيارات ثلاثة, حتى تعودوا إلى الصلح, وتفيئوا إلى أمر الله.

1 . إن كنتم ترمون المال والمتاع, فأتيحوا لي فرصة جمعهما من كرام أخوانكم في أقاصي الأرض, حتى أضعها بين أيدي الديات والضحايا, وأرميها حجرا أخيرا على قبر النزاع والخصومة والهمجية.

2 . وإن كنتم تريدون الحب, فاعتبروني واحدا منكم نمشي بمسيرة الفداء على دروب القدس, وليسقط منا من يسقط, في نهر الدم المقدس.

 3 . وإن كنتم تشتهون الدم, لمجرد شهوة الدم, فهل لكم أن تقبلوني أنا الضحية, وتأخذوا الثار مني, وتطفئوا هذه الشهوة بدمي, والله على ما أقول وكيل وشهيد. أما إن رفضتم الثلاثة واعتصمتم بقلعة الشيطان, أشهدت ربي أنكم الظالمون, ولعلكم تعودون عن ذلك إن شاء الله."

وقاد الإمام الصدر حملة واسعة تجاه بعلبك لحقن الدماء ولوضع حد للفلتان الأمني ودعا أبناء العشائر لأداء قسم اليمين لميثاق يؤكد التزامهم نبذ عادة الأخذ بالثأر واللجوء إلى الدولة، وعلى مرجة رأس العين في بعلبك في تموز 1970 ولمناسبة مرور سنة على تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، عُقد لقاء ضمّ الآلاف  من المواطنين من جميع العشائر، وشارك فيه جميع رجال الدين من كافّة الطوائف، وقرأ الإمام الصدر نصّ اليمين على تنفيذ هذه البنود وردّدها جميع الحاضرين. فكان أنْ وقّع نحو 1500 شخص من وجهاء المنطقة على وثيقة الالتزام بتَرك هذه العادة، وأقسموا اليمين على ذلك.

وتضمّن ميثاق بعلبك للتخلّي عن عادة “الأخذ بالثأر” الآتي :

1 . كلّ شخص يرتكب أيّ جريمة مهما كان نوعها ومهما كانت دوافعها نكون بريئين منه ومن عمله ويكون وحده مسؤولاً عمّا اقترفت يداه.

2 . إنّ مرتكب الجريمة كائناً من يكون، وإلى أيّ عشيرةٍ أو عائلةٍ انتمى، يُعتبَر منبوذاً لدى الجميع، وخصوصاً لدى أبناء عشيرته أو عائلته، ويُحرم من كلِّ عون أو مساعدة، مادّيةٍ كانت أو معنويّة، كما يمتنع الجميع عن إيوائه أو التستّر عليه، بل نكون جميعاً ضدّه وحرباً عليه.

 3 . يُلاحَق المجرم شخصيّاً ولا يؤخذ بجريرة عمله أيّ إنسان آخر من أقربائه أو ممّن يمتّ إليه بصلة مهما كانت درجتها، وتكون المسؤوليّة كاملة على من يطالب بريئاً بذنب مجرم.

 4 . كلّ من يخالف هذه القاعدة أو يشذّ عنها لا يحقّ لعائلته أو أيٍّ من أقربائه مناصرته أو تأييده أو المطالبة به والمحافظة عليه، بل يكون كلّ منّا ومنهم خصماً له.

 

وقّع الميثاق العشائر: جعفر ـ ناصر الدين ـ علاّم ـ شمص ـ دندش ـ علّو ـ علاء الدين ـ شريف ـ مقداد ـ زعيتر ـ أمهز ـ الحاج حسن ـ فخر الدين ـ الحاج حسين ـ سجد ـ المولى ـ شعيب ـ عبيد ـ رشعيني ـ حمادة ـ الهقّ ـ غصن ـ عوّاد ـ مدلج ـ نون ـ المصري.

ومن العائلات المسيحيّة: كيروز ـ رحمة ـ طوق ـ حبشي ـ جعجع ـ عماد ـ فخري ـ حدشيتي.

 

إن هذا الميثاق ما زال يشكل ضمانة أساسية لأبناء بعلبك الهرمل بكل عائلاتهم وعشائرهم والعودة إليه مع ما يجري اليوم على أرض البقاع مناسبة لحقن الدماء وتحكيم لغة العقل والدين لنبذ أي خلافات .