تجربة شرطيات برمانا هي رهن الأيام لإثبات نجاحها أو فشلها
 

 

قرار من بلدية برمانا في المتن بتعيين شرطيات يلبسن شورتاً كان كفيلاً بإثارة موجة كبيرة من الإنتقادات والتأييد في آن معاً بين اللبنانيين .

فقد قرّرت بلدية برمانا تعيين شرطيات في هذا الصيف لتنظيم السير والقيام بباقي مهام الشرطة في البلدة ، لكن ما أثار الجدل هو لباسهن ، حيث إرتدينَ شورتاً ، ما جعل البعض ينظر إلى الأمر من زاوية مختلفة .

فكرة " الشورت " في لبنان ورغم رواجه لا تزال تعكس في لاوعي فئات من الشعب اللبناني تصوّر جنسي إغرائي ، ورغم إنتشاره في مختلف البيئات داخل البلد حتى في البيئات المحافظة كالقرى ومناطق الأطراف ، إلاّ أنّ أفكار مسبقة سرعان ما تُراود البعض عند رؤيتهم لفتاة تلبس شورتاً .

والواقع أن هذه النظرة هي حلقة من سلسلة الإنقسام الثقافي السائد في لبنان ، والذي يُمكن أن تراه داخل البيت الواحد ، بين النظرة المحافظة للأمور والنظرة المنفتحة ، إلاّ أن في لبنان هناك نظرة أخرى إضافية تراها عند بعض النخب ، الذين يُحاضرون في المثاليات والإنفتاح وعندما تقع الواقعة يظهر وجههم المحافظ الحقيقي .

بالمقابل هناك نظرة يُمكن وضعها في سياق الموضوعية للواقع الثقافي في لبنان ، فهي ليست محافظة ولكنها أيضاً تُطالب بالإنفتاح والحريّة الشخصية مع ضوابط .

وفي قضية " شورت شرطيات برمانا " ظهر هذا الإنقسام الذي عكس هذه النظرات الأربع، لكن البعض بالغ في ردّات فعله وطريقة فهمه للموضوع فعكس حقيقة الكبت الجنسي الذي يجتاح شريحة لا بأس بها من اللبنانيين .

وعلى ضفة أخرى ، بالغ البعض وبالأخص الإناث في إنتقاد الظاهرة ، إمّا لقناعة تامة منهن بأن الفكرة هي لتسليع المرأة وإظهار الجانب الجمالي منها لا العقلي والفكري وإستغلالها سياحياً وإمَّا بسبب حاجات نفسية لدى بعض هذه النساء كعقد نفسية  وغيرة .

في المقابلة التي أجراها بيار الأشقر رئيس بلدية برمانا مع جريدة " النهار " تساءل قائلاً : " هل صار الشورت عيباً " ورد فيها على بعض الإنتقادات .

الأشقر هو الآخر يُعبّر عن نظرة ثقافية موجودة في لبنان ، وبعيداً عن إذا ما كان على صواب أو خطأ فيما قام به ، لا بد من الإضاءة على بعض النقاط .

 

إقرأ أيضا : رئيس بلدية برمانا : هل صار الشورت عيباً؟

 

 

فالشرطيات المعيّنات لسن قاصرات بحسب الأشقر  ، وهنّ يملكن حرية قرارهن ، ولم تقم البلدية بتعيينهن بالمخفي بل نشرت صورهن ، ما يعني وجود حالة رضى من الأهالي والبيئة التي يعشن بها وهذا ما ظهر في الكم الهائل من التعليقات المؤيّدة للموضوع .

وقد سبق لبلدية برمانا أن حقّقت إنجازات على مستوى الموسم الصيفي والسياحة وأمّنت حوالي ١٥٠٠ وظيفة ، وهي من البلديات الرائدة في المجال السياحي وجذب السياح في لبنان ، فالموضوع له علاقة بالشرطة السياحية وهو لباس ترتديه العديد من الفتيات الشرطيات اللواتي يعملن في مناطق مصّنفة سياحية حول العالم ، وبالتالي فإن الأمر له بعد إقتصادي ومعيشي متعلّق بخفض نسبة البطالة داخل البلدة أيضاً ، وداخل فئة الإناث أيضاً ،  وماذا عن المساواة في الوظائف التي تأمّنت في ظل هذه الخطوة ؟ ألا يُمكن النظر إلى الكأس الملآن من القضية مثلاً ؟ 

والأهم ، أن الشورت هو ظاهرة منتشرة كما أكدنا مسبقاً في لبنان ، وليس بالغريب عن ثقافة اللبنانيين .

أما فكرة تسليع المرأة وإستغلال جسدها لغايات تجارية ، فالأمر هو للبحث والنقاش وقابل للأخذ والرد .

لكن ربط فكرة التسليع  وإشتراطها بأن تلبس الفتاة شورتاً وتظهر أجزاء من جسدها وإعتبار الأمر ترويجاً لمنتج أو خدمة هو أمر غير منطقي ، والسبب أن بعض الشركات تروِّج للحجاب والثياب الشرعية بواسطة نساء جميلات  من أجل بيع منتوجاتها ولا يُسمع أي صوت منتقد لذلك من قبل أصحاب نظرية " التسليع " عن الموضوع ؟

هذه المقارنة تعكس حقيقة المشكل الثقافي في لبنان ، فالأمر غير مرتبط بإستخدام جسد المرأة بل ما ترتديه هذه المرأة ، سواء يخدم هذه الفكرة الدينية أو الثقافية أو لا يخدمها ، وهكذا تُقاس الأمور عند هؤلاء .

والغريب أن بعض النخب مُصرّة على ربط فكرة إحترام المرأة بما ترتديه ، علماً أن شرطيات برمانا خضعن لفترة تدريب ونجحن ، ولم يُسلّط أحد الضوء على هذه النقطة أيضاً ، ولم يتم الحديث أيضاً عن قدرة وقابلية المرأة للقيام بمهمات كالرجل في المجتمع اللبناني تخدم فكرة المساواة دون أن تُؤثّر على إحترامها وأنوثتها .

لكن يبقى هناك تساؤلات منطقية حول عدم توحيد الزي بين الإناث والذكور في البلدية , سواء مع شورت أو عدمه , وهذا ما يجب أن توضحه البلدية.

بالمحصّلة ، تجربة شرطيات برمانا هي رهن الأيام لإثبات نجاحها أو فشلها ، وكان لا بد من هكذا خطوة تكسر أصنام الكبت الجنسي الذي يعيشه البعض ويقيس الأمور على أساسها .

مع إحترامي طبعاً لأصحاب النقد الموضوعي ذووي النوايا الحسنة والذين يتكلمون حرصاً لا حباً بالشهرة أو كبتاً أو غيرةً.