يعكس الصراع العوني - الجنبلاطي حقيقة الصراع التاريخي في جبل لبنان ، صراع كلّف لبنان في الماضي الكثير ، وسيُكلّفه أكثر في المستقبل ، إذا ما إستمر الحال على ما هو عليه
 

 

منذ دخول التويتر عالم السياسة في لبنان ، لم يُجده أحد كما أجاده رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط ، فتغريداته كانت بمعظمها حمّالة رسائل ، وينتظرها اللبنانيون لفكّ شيفراتها خصوصاً الصور المرافقة للتغريدات والتي كانت تُشير إلى قضية معيّنة ، يستخدمها جنبلاط ل " تلطيش " خصومه وحلفائه .

وغالباً ما كانت تغريدات البيك تُثير جدلاً في لبنان ، لكن تغريدة الأمس كانت الأكثر حساسية وإثارةً للجدل في لبنان .

فغرد جنبلاط كاتباً : "اما المهجرون في الارض فلا عيد لهم ولا راحة.يلاحقهم الموت في البحار وفي الصحاري تجار البشر .يهربون من الظلم والحروب من اجل حياة احسن فاذا بجدران الكراهية والعنصرية ترتفع  في كل مكان ،وفي لبنان يطالبون بتسليمهم الى الجلاد بحجة تحميلهم سوأ الاحوال ومصيبتنا في عهد فاشل من اول لحظة".

وأرفقها بصورة لثلاث تماثيل منفصلة ، إذا ما جُمعت تُشكِّل صورة مسافر أو لاجىء ، ولعل جنبلاط يرمز بها إلى اللاجئين .

 

 

وما هي إلا لحظات ، حتى إستنفر التيار الوطني الحر بنوابه ووزرائه وحلفائه وأعضائه ، وصبّوا جام غضبهم على جنبلاط  ، وأُطلق هاشتاغ : "#مهجر_يحاضر_بالمهجرين" تناول فيه أنصار التيار وحلفائه جنبلاط وإنتقدوا التغريدة .

بالمقابل ، نشط هاشتاغ : "#العهد_الفاشل " كرد من أنصار الحزب التقدمي الإشتراكي على الهاشتاغ الأول .

كما رد جملة من نواب وأعضاء الحزب الإشتراكي على الهجمات التي تعرّض لها جنبلاط .

 

إقرأ أيضا : جنبلاط: ما بالكم تكأكأتم على كتأكئكم... افرنقعوا عني

 

 

ثم عاد جنبلاط وغرّد كاتباً وهو الموجود خارج البلاد :" الى محبي الضجيج اقولما بالكم تكأكأتم علي كتأكئكم عل ذي علة افرنقعوا عني " وأرفقها بوجوه ساخرة، ما يعني أنّه مُصِّر على ما كتبه .

بالمختصر ، عاش لبنان يوماً عصيباً بالأمس ، وكان البلد على كفّ تغريدة بكل ما للكلمة من معنى ، فالتغريدة أصابت هدفها إعلامياً ، ونجحت في إبراز الخلاف بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط إلى العلن بكل وضوح ، بعد محاولات حثيثة لإخفاء هذا الصراع من قبل الطرفين .

ولا شك أن جنبلاط كان جريئاً في نقده ، فهو وصف العهد بأنه فاشل ، بل إن التغريدة تُعبّر عن حالة عدم رضى من البيك على أداء العهد منذ الأيام الأولى لإنتخاب عون .

لكن البارز في هذه الجولة أن تبعات التاريخ بين الدروز والموارنة في جبل لبنان لم يُنتسى بعد ، فنبش القبور وإستذكار محطات تاريخية من الصراع بينهما كان بارزاً وأساسياً ، كمعارك سوق الغرب و تلة ٨٨٨ والعمالة لإسرائيل والنظام السوري وإستحضار خطابات لجنبلاط عن الموارنة في الصحف والإعلام . 

بل اللافت أكثر أن لغة العدد والعدّ كان من أدوات المعركة .

فعندما يتوجّه أحد النواب السابقين في التيار إلى جنبلاط قائلاً :" لن تحصل على أكثر من حجمك "، هو بالحقيقة يعكس باللاوعي نوايا وخطاباً طائفياً موجّهاً للدروز عبر جنبلاط ، كون الأخير حاز على أكبر عدد من النواب الدروز في إنتخابات ٦ أيار ٢٠١٨ والمقعدين الدرزيين الوحيدين اللذين لم يحصل عليهما ، هو من تركهما بكامل إرادته للنائب طلال أرسلان في عاليه والرئيس نبيه بري في حاصبيا .

لذلك ، فإن العودة لهذا الخطاب خطير جداً ويُوحي بأجواء سلبية .

 

إقرأ أيضا : نبيل نقولا: يا وليد بيك لن تحصل على أكثر من حجمك

 

 

لكن حقيقة هذا الصراع لا يقتصر على التاريخ فقط ، بل يتعدّاه للحاضر ، وهو مرتبط بملف إدارة الدولة حيث يشعر جنبلاط بمحاولة لإقصائه وتحجيم زعامته ، في مخطط من الوزير جبران باسيل ومن خلفه العهد لضرب رجال إتفاق الطائف .

وكما حاول باسيل مع بري ، ها هو يحاول مع جنبلاط اليوم ، ومن هنا حرص باسيل على إعطاء أرسلان كتلة نيابية في الجبل والإيحاء بأنّ هناك بديل عن أبو تيمور  في الطائفة الدرزية .

بل إن باسيل أطلق النار أيضاً على مصالحة الجبل وإعتبرها ناقصة كون التيار غير موجود فيها ، فهو يُريد القول أن أي شرعية لأي إتفاق أو حتى زعامة لا بدّ أن تمرّ من قصر بعبدا وتنال رضاها وإلاّ فهي ناقصة .

بالمحصّلة ، يعكس الصراع العوني - الجنبلاطي حقيقة الصراع التاريخي في جبل لبنان ، صراع كلّف لبنان في الماضي الكثير ، وسيُكلّفه أكثر في المستقبل ، إذا ما إستمر الحال على ما هو عليه .