موقفان أطلقهما الرئيس المكلف من العاصمة الروسية، حيَّرا اللبنانيين، الأول انه لا يتخوف من التأخير في تشكيل الحكومة، والثاني انه لا يتوقف عند الحصص بل يريد حكومة منتجة، فما الذي يقصده من موقفه الأول، هل يقصد بأن لا يواجه أية عراقيل تؤخر تشكيل الحكومة، أم يقصد بأن التشكيل لا يزال متعثراً، وعلى اللبنانيين أن ينتظروا بقاء البلاد من دون حكومة مُـدّة طويلة، ومن الأرجح أنه يقصد الأمر الثاني، وإذا كان هذا هو المقصود فعلاً، فعلى اللبنانيين أن يدفنوا كل الآمال المعسولة التي وعدهم بها، غداة تكليفه وبعد المشاورات التي أجراها مع الكتل النيابية من المساعدات الدولية التي أقرت في مؤتمر سادر والمشروطة بوجود حكومة تحقق الإصلاحات في هيكلية الدولة وتوقف مزاريب الهدر والفساد، ويتصدي للمشكلات الاقتصادية الأخرى التي يعاني منها لبنان، ومنها على سبيل المثال لا الحصر الأموال التي تهدر على الكهرباء وغيرها وغيرها الكثير، وعلى اللبنانيين بالتالي أن يتوقعوا الأسوأ، ما دام أن الطبقة السياسية المسؤولة عن الوصول الى هذا المنحدر الخطر في نظر المجتمع الدولي أن يتهيأوا لما هو أسوأ من تردٍّ وانهيار تام، وفق توصيف الرئيس المكلف نفسه للوضع القائم عندما حث الجميع إلى التعاون وتقديم التنازلات لقيام حكومة وحدة وطنية أو حكومة وفاق وطني في القريب العاجل، لأن الوقت لا يسمح لا بالتأخير ولا التلهي بالقشور، ونصب الأفخاخ من هذا الفريق وذاك في وجه الرئيس المكلف.


أما الموقف الثاني، وهو الأخطر بسبب صعوبة أو استحالة تحقيقه وهو الاصرار على قيام حكومة منتجة، بمعنى حكومة فريق عمل واحد، لا تعتمد على المحاصصة أو على توزيع الحصص التي تفرضها التركيبة السياسية داخل مجلس النواب، فكيف يمكن للرئيس المكلف أن يُشكّل حكومة فريق عمل واحد في ظل هذه التركيبة المعقدة التي تشكّل قاعدة ملزمة لتشكيل أية حكومة أئتلافية كانت أم وفاقية، أم حكومة وحدة وطنية، فهل يقصد الرئيس المكلف بقوله هذا انه تخلى عن فكرة تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم كل القوى السياسية داخل مجلس النواب وفقاً أيضاً لما صرح به غداة تكليفه أم سيأخذ بنصائح بعض الجهات الخارجية ويشكل حكومة من اتجاه واحد، تملك الأكثرية النيابية، كما ألمح إليه مؤخراً قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني الجنرال قاسم سليماني عندما تحدث عن فوز حزب الله بأكثرية 74 مقعداً نيابياً من أصل 128 مقعداً، فإذا هذا ما يقصده، وهذا ما ليس في الحسبان، كما تؤشر الوقائع، فمعنى ذلك ان الرئيس المكلف اختار أقصر الطرق لوضع البلاد في الهاوية، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً والتأسيس بالتالي لأزمة مفتوحة على كل الاحتمالات، أما اذا كان لا يقصد من كلامه التهويل على بعض الكتل النيابية التي تطالب بتوحيد المعايير عند تشكيل حكومة الوحدة الوطنية كالقوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي ومعهما حزب الكتائب فإنه يستطيع أن يفعل ذلك، ويشكل حكومة من الاكثرية، في نفس الوقت، يضع البلد كلّه أمام معارضة شرسة أو أمام مواجهة في الداخل وفي الخارج لا تحمد عقباها.