قد يكون مشهد السيول الجارفة في منطقة القاع – رأس بعلبك جواباً صريحاً لتراجع نسبة اقبال المقترعين في هذه المنطقة لأن الوعود الإنمائية من الأحزاب المسيطرة على المنطقة، التي هي جزء من الدولة، تحولت الى ما يشبه سراب الصحراء او الخوف من الرمال المخادعة. لمعرفة المقاربة العلمية لتراكم السيول في هذه المنطقة، كان لـ “النهار" مقابلة مع الباحث في المجلس الوطني للبحوث العلمية الدكتور أمين شعبان.   

 

لبنان منطقة رطبة  

بداية، قارب شعبان أسباب تراكم السيول في منطقة القاع – رأس  بعلبك بالتذكير بأن "لبنان لا يزال منطقة رطبة وفي أقصى الأحوال"، مشيراً الى انه "قد يصبح منطقة شبه جافة، وهذه حقيقة علمية تتناقض مع خلفية اعتبارها منطقة جافة، وفقاً لما تتداوله بعض وسائل الأعلام وحتى في المحافل العلمية". واستند في إيضاحه هذا الموضوع إلى "أن مجموعة من غير المختصين بعلوم الهيدرولوجيا _ المياه - في لبنان يوصفونه بالبلد المعرض للجفاف فقط للتسويق الاعلامي او العلمي". 

ويعود السبب في ذلك وفقاً له الى "موقع لبنان وتركيبته الجغرافية المؤلفة من سلاسل جبلية مرتفعة ومتاخمة للبحر المتوسط". وقال: "هذه التركيبة تجعل من لبنان حاجزاً مناخياً اقليمياً يصد كل الكتل الهوائية الباردة ويعمل على تكثيفها وتالياً اسقاطها كأمطار وثلوج. وهذا الوضع الجغرافي سوف يميز لبنان عن كل مناطق الشرق الاوسط وعلى المدى الطويل". 

 

بين المطر والحرارة 

وعن سقوط هذا الكم من الامطار في حزيران، رأى أمين شعبان انه "لا خوف  على لبنان من الناحية المناخية"، مشيراً الى ان "الدراسات التي يقوم بها تشي بأن لبنان بلد رطب الى شبه رطب مع بعض الاستتناءات لبعض المناطق القليلة". وتوقف عند "كمية الهاطل المطري التي لا تزال كما هي بحسب السجلات المناخية، مع ذكر ان هناك ارتفاعاً ملحوظاً في درجات الحرارة بمعدل 1.6 درجة مئوية". 

 

التغير في الفصول  

وأضاف شعبان ان "التغير المناخي هو حاصل في لبنان ولكن ليس بالمفهوم المتداول"، موضحاً ان "هذا التغير هو في نمط تساقط الأمطار والذي أصبح بشكل ذروات مطرية (torrential rain peaks) كما حصل بالامس في منطقة راس بعلبك حيث ان معدل المتساقطات كان كبيراً ضمن فترة زمني وجيزة". واعتبر ايضاً "ان التغير المناخي يتجلى ايضا بالازاحة الزمنية للفصول المناخية، كما رأينا بالامس من أمطار في فترة بداية الصيف". 

برأيه، "هناك تغير في الوضع الهيدرولوجي لطبيعة الأرض في لبنان حيث المتغيرات في مكونات سطح الأرض خصوصاً منها التمدد العمراني العشوائي وخصوصا تلك الموجودة في مسارات الأودية المائية". 

أضاف شعبان، "ان ما حصل بالأمس في منطقة رأس بعلبك طبيعي من الناحية الهيدرولوجية"، مشيراً الى ان " لمياه، التي هطلت، لم تلق طريقها الطبيعية للجريان، بل كان الجريان ضمن المناطق السكنية التي تداخلت مع مناطق جريان المياه". 

 

من المسؤول؟  

رداً على سؤال عن تحديد مسؤولية ما حصل، قال: "تقع المسؤولية على عدة مكونات من الاشخاص وحتى على السكان أنفسهم. فمن المعروف ان هناك عدة مشاريع قامت بها هيئات دولية واقليمية ومحلية في منطقة القاع – رأس يعلبك للحد والتخفيف من آثار السيول، ولكنها لم تؤتِ ثمارها لعدم جدوى ما تم عمله". 

وأشار الى أنه "يمكن طرح فرضية ان المبادئ العلمية، التي اتبعت لم تكن سليمة، والا لما رأينا ما رأيناه بالأمس وهذا أمر واقع"، مضيفاً ان "غالبية  الدراسات التي تنفذ في لبنان يقوم بها أشخاص غير متخصصين بالموضوع، ويعتمد اختيارهم على مبدأ المحاصصة لهذا الفريق او ذاك ويبقى أصحاب الاختصاص، وهم كثر في لبنان، خارج هذه المنظومة".  

وشدد على أنه "لا يمكننا استبعاد دور الدولة عن الموضوع، والتي هي مطالبة بالقيام بدراسة متكاملة عن موضوع السيول وطرق الحد منها ووضع وسائل الحماية من السيول (flood controls)"، منوهاً بدور "مجلس البحوث العلمية ومجموعة من المتخصصين المتميزين للقيام بذلك". 

 

صحة الناس... 

عن وصف البعض بأنها منطقة منكوبة، قال: "لعل سكان منطقة القاع – رأس بعلبك أصبحوا متيقظين من موضوع السيول خصوصا انهم هم من سيتضرر اولاً ولا أحد يمكنه مساعدتهم او التعويض عليهم الا في الاعلام. كما ان وعي الأهالي جنبهم الخسائر في الأرواح يوم أمس رغم ان منطقتهم هي منطقة منكوبة من الناحية الطبيعية".

وتوقف عند تداعيات هذه السيول على الصحة قائلاً:" من دون شك ان للسيول تداعيات على الصحة، فماذا نتوقع من دخول المياه للمنازل والعبث بمحتوياتها وخلق الرطوبة في كل مكان مما ينعكس على التنفس. كذلك فإن السيول وخصوصاً تلك المحملة بالأتربة لها دور في جلب العديد من الجراثيم التي لها دور سلبي على صحة الإنسان".