الحديث عن ولادة الحكومة قبل نهاية شهر حزيران الجاري لا يخرج عن إطار التكهنات والأمنيات
 

بكثير من الواقعية وبعيدا عن المزايدات والاتهامات والمماحكات، يمكن القول بصراحة متناهية وراحة تامة أن رئيس تيار الأزرق سعد الحريري ليس في وضع يحسد عليه في المهمة التي أوكلت إليه بتشكيل الحكومة الجديدة. 


فالطريق أمامه ليست فقط شائكة وصعبة ومتعثرة، بل أن مسار التكليف مليء بالعراقيل ومزروع بالاشواك والالغام، وهو عمليا واقع بين مطرقة الداخل وسندان الخارج، وهو يدرك أنه لا يزال هناك متسع من الوقت حتى تتبلور الأمور وتتوضح المواقف بشكل جلي كي يبادر عمليًا وفعليًا للانطلاق بمهمته على الرغم من الضغوط التي تأتيه من معظم الأطراف السياسية والحزبية والتي تطالبه وتحثه على الإسراع بإنجاز هذه المهمة الشاقة وتقديم التشكيلة الحكومية التي ترضي الجميع. 


وإذا كان الرئيس الحريري وبعد أن تم تكليفه من قبل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بتشكيل الحكومة بدا وكأنه مستعجلا لإنهاء هذه المهمة، إلا أن العوامل الخارجية المبهمة والضبابية التي تلف الواقع الإقليمي عرقلت انطلاقته بالقطار الحكومي مع بروز خطوط حمر إضافية ارتسمت في وجهه خلال زيارته الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية ولقائه بعض القيادات هناك، حيث تم إبلاغه انه لا يمكن التهاون بحصة القوات اللبنانية في الحكومة المرتقبة وأن عدم ارضائها ليس بالأمر الذي يمكن تجاوزه، وهو يندرج ضمن هذه الخطوط الحمراء. 


وكذلك لم تتوضح للرئيس الحريري مسألة قبول السعودية بإشراك المعارضة السنية بالمقاعد الوزارية في الحكومة الجديدة، وبالتالي فإن الخارج بدا وكأن لا وقت لديه للاهتمام بالشأن اللبناني الداخلي، إذ أن هناك أمور مصيرية حصلت في المنطقة تتجاوز الأزمة اللبنانية وأكثر أهمية منها وعليه فليس هناك ما يستدعي السرعة في تشكيل الحكومة، وليس هناك ما يمنع من استمرار الحكومة الحالية بتصريف الأعمال حتى إشعار آخر وحتى يأتي الوقت الملائم للتشكيلة الجديدة. 

 

إقرأ أيضًا: الجرح المسيحي لم يندمل في معراب

 

ويترافق ذلك مع استعجال لدى "حزب الله" لتشكيل الحكومة وذلك على خلفية الضغوط الإقليمية التي يتعرض لها الحزب من اتجاهات متعددة أميركيًا وروسيًا وعراقيًا وسوريًا مضافًا إليها الضغوط الداخلية التي تدفعه إلى تحسين صورته في الداخل اللبناني، لذا فهو يسعى إلى تلميعها عبر مشاركته في الحكومة بتولي وزارات تحمل طابعا إصلاحيًا ولها رمزية خدماتية. 

ومن هنا رفع شعار محاربة الفساد وطالب بإستحداث وزارة التخطيط محاولا تسويق نفسه بشكل مقبول ولائق على الساحة اللبنانية كي يغطي على تراجعه الإقليمي وخاصة في الميدان السوري. 


وكان لافتا موقف وزير الخارجية جبران باسيل بالسؤال الذي وجهه إلى الرئيس الحريري بعد لقائه الأمين العام ل "حزب الله" السيد "حسن نصر الله" عن سبب الابطاء في تشكيل الحكومة، مما يشير إلى التباين الذي بدأ يطفو على السطح بين باسيل والحريري في بعض المواقف وأن الأمور بينهما ازدادت تأزما بعد مرسوم التجنيس. 


وفي هذا السياق فإن الرئيس المكلف سعد الحريري الذي يعمل بتأن والحريص على أن لا يدعس اي دعسة ناقصة وان لا يخطو خطوة متسرعة ومتهورة فإنه يتريث بتأليف الحكومة حتى ينجلي الكثير من الغبار، وهو ليس في وارد زعزعة علاقته بالسعودية، ولا يبدي اي استعجال في مهمته وقد أعطى لنفسه اجازة بالذهاب إلى موسكو لحضور افتتاح المونديال ومن بعدها سيتوجه إلى السعودية لقضاء عطلة عيد الفطر مع عائلته بعيدا عن المطالب والتعقيدات والفيتوات وعتب هذا الفريق وحرد ذاك. ثم يعود بعدها إلى لبنان. بعد أن يكون قد استطلع الموقف السعودي من مجمل التطورات الدولية والإقليمية واللبنانية. 


وأما الحديث عن ولادة الحكومة قبل نهاية شهر حزيران الجاري فإنه لا يخرج عن إطار التكهنات والأمنيات، وهو غير مبني على أي أسس منطقية أو وقائع جدية وملموسة، إلا إذا ظهرت عجيبة، ولبنان بلد العجائب.