البلد بات، كما يعرف القاصي والداني على حافة الإفلاس
 

يُحكى أنّ الرئيس نبيه بري (ممثل الشيعة في ترويكا الحكم) قال لزميليه الرئيس الشهيد رفيق الحريري (ممثل السُّنّة) والرئيس الراحل الياس الهراوي (ممثل الموارنة المسيحيين)، في أولّ اجتماعٍ لهم أوائل التسعينيات من القرن الماضي، وذلك بعد أن تسلّم الراحل رفيق الحريري رئاسة الوزراء: إذا أردتُما بناء دولة ومؤسسات فأنا حاضر، وإذا كانت "مُحاصصة"، أي توزيع حُصص، أو "تناتُش" حصص كما تقول العامّة، فأهلاً ومرحبا، و"على السّكين يا بطيخ"، ذلك أنّ المواطن اللبناني "الفهلوي" أي الحاذق الماكر، لا يشتري البطيخة إلاّ بعد شقّها بالسكين، ليُعاين احمرارها، ويتذوّق طعمها، والرئيس بري شيخ ""الفهلوية"، وهكذا سارت الأمور واستُبيحت الدولة وماليتها العامة وأملاكها، ومع كلّ ذلك هيبتها واستقرارها النقدي، وكان الرئيس الشهيد الحريري ذا باعٍ طويل في عالم المال والأعمال، فراح يستدين بلا حسابٍ ولا رقيب ولا وازع، وطفق يُوزّع الملايين على طبقة سياسية تربّت على الفساد، وترعرعت في ظلّه، حتى بات مرادفاً لها لا تُفارقه ولا يفارقها، يمدّها بأسباب الحياة، فتُبادله وفاءً ورعايةً وإخلاصاً.

إقرأ أيضا : يوم القيامة في رأس بعلبك !


مناسبة هذا القول: التناتش الحكومي حول الحُصص، كل جهة برلمانية تسعى وراء حصّتها، ولا تتنازل ولا تحيد، تسعى وراء الحصّة الدّسمة في الخدمات والوزارات السيادية، أمّا حُصّة المواطن المغلوب على أمره، فهي الغائبة والمُغيّبة، المواطن الذي اقترع لهذه الطبقة لتُمثّلهُ باتت لا تُمثّل إلاّ مصالحها ومنافعها، وعندما تحصل عليها بالتوافق حيناً وبالخلاف حيناً آخر، على المواطن الصابر أن يتعلّم كيف يقف على عتباتها مُستجدياً الوظيفة والمقعد الدراسي وسرير المستشفى، ورُخصة البناء، أو الفوز بالحصول على بطاقة دخول للأسلاك العسكرية أو الأمنية.
البلد بات، كما يعرف القاصي والداني على حافة الإفلاس، وبدل أن يجتمعوا للبحث في أنجع الوسائل لخفض المديونية العامة ووقف الهدر في المال العام، يتهافتون على المناصب ويتزاحمون على أكل الثمار التي فسُدت على أُمّها، لتتعفّن بعد ذلك في بطونهم.
في علم الهندسة الزراعية، فإنّ الشجرة المريضة تزيدُ في طرح ثمارها العفنة قبل أن تتهاوى، والعاقلُ بدل أن يشغُل نفسه في التقاط الثمار الفاسدة، عليه أن يهتمّ بإصلاح التربة وتجديد الشتول الصالحة.